الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً ثُمَّ لاَ يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ } * { وَإِذَا رَأى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ ٱلْعَذَابَ فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ } * { وَإِذَا رَأى ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ شُرَكَآءَهُمْ قَالُواْ رَبَّنَا هَـٰؤُلآءِ شُرَكَآؤُنَا ٱلَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوْا مِن دُونِكَ فَألْقَوْا إِلَيْهِمُ ٱلْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ } * { وَأَلْقَوْاْ إِلَىٰ ٱللَّهِ يَوْمَئِذٍ ٱلسَّلَمَ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } * { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَاباً فَوْقَ ٱلْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يُفْسِدُونَ } * { وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِّنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيداً عَلَىٰ هَـٰؤُلآءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ }

قال الإِمام الرازى اعلم أنه - تعالى - لما بين حال القوم، أنهم عرفوا نعمة الله ثم أنكروها، وذكر أيضا من حالهم أن أكثرهم الكافرون أتبعه بالوعيد، فذكر حال يوم القيامة فقال { وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً... } وذلك يدل على أن أولئك الشهداء يشهدون عليهم بذلك الإِنكار، وبذلك الكفر، والمراد بهؤلاء الشهداء الأنبياء، كما قال - تعالى -فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَـٰؤُلاۤءِ شَهِيداً } والمعنى واذكر - أيها العاقل لتعتبر وتتعظ - { يَوْمَ نَبْعَثُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ } أى جماعة من الناس، { شهيدا } يشهد للمؤمن بالإِيمان ويشهد على الكافر بالكفر. قال ابن عباس شهيد كل أمة نبيها يشهد لهم بالإِيمان والتصديق، وعليهم بالكفر والتكذيب. وقوله { ثُمَّ لاَ يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ } بيان للمصير السيئ الذى ينتظر هؤلاء الكافرين يوم القيامة. أى ثم لا يؤذن للذين كفروا يوم القيامة فى الاعتذار، عما كانوا عليه فى الدنيا من عقائد زائفة، وأقوال باطلة، وأفعال قبيحة، كما قال - تعالى - فى سورة أخرىهَـٰذَا يَوْمُ لاَ يَنطِقُونَ وَلاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ } أو المعنى ثم لا يؤذن لهم فى الرجوع إلى الدنيا ليتداركوا ما فاتهم من عقائد سليمة وأعمال صالحة، لأنهم قد تركوها ولا عودة لهم إليها. أى ثم لا يؤذن لهم فى الكلام، بعد أن ثبت بطلانه، وقامت عليهم الحجة والتعبير بثم للاشعار بأن مصيبتهم بسبب عدم قبول أعذارهم، أشد من مصيبتهم بسبب شهادة الأنبياء عليهم. قال صاحب الكشاف فإن قلت ما معنى " ثم " هذه؟. قلت معناها أنهم يبتلون بعد شهادة الأنبياء بما هو أطم منها، وهو أنهم يمنعون الكلام، فلا يؤذن لهم فى إلقاء معذرة ولا إدلاء بحجة. وقوله - سبحانه - { وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ } تيئيس آخر لهم فى الحصول على شئ من رحمة الله - تعالى -. أى لا يؤذن لهم فى الاعتذار، ولا يقبل منهم أن يزيلوا عتب ربهم، أى غضبه وسخطه عليهم، لأن العتاب إنما يطلب لأجل معاودة الرضا من العاتب، وهؤلاء قد انسد عليهم هذا الطريق، لأن الله - تعالى - قد سخط عليهم سخطا لا مجال لإِزالته، بعد أن أصروا على كفرهم فى الدنيا وماتوا على ذلك. قال القرطبى قوله { وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ } أى لا يكلفون أن يرضوا ربهم لأن الآخرة ليست بدار تكليف، ولا يتركون إلى رجوع الدنيا فيتوبون. وأصل الكلمة من العَتْب - بفتح العين وسكون التاء - وهى الموجدة. يقال عَتَب عليه يُعتِب، إذا وجد عليه، فإذا فاوضه فيما عتب عليه فيه، قيل عاتبه، فإذا رجع الى مسرتك فقد أعتب، والاسم العتبى، وهو رجوع المعتوب عليه إلى ما يرضى العاتب.

السابقالتالي
2 3 4 5