الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلِلَّهِ غَيْبُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَآ أَمْرُ ٱلسَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ ٱلْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { وَٱللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلْسَّمْعَ وَٱلأَبْصَارَ وَٱلأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } * { أَلَمْ يَرَوْاْ إِلَىٰ ٱلطَّيْرِ مُسَخَّرَٰتٍ فِي جَوِّ ٱلسَّمَآءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ ٱللَّهُ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لأَيٰتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } * { وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَناً وَجَعَلَ لَكُمْ مِّن جُلُودِ ٱلأَنْعَامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَآ أَثَاثاً وَمَتَاعاً إِلَىٰ حِينٍ } * { وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِّمَّا خَلَقَ ظِلاَلاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلْجِبَالِ أَكْنَاناً وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ ٱلْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ } * { فَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ ٱلْبَلاَغُ ٱلْمُبِينُ } * { يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ ٱللَّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ ٱلْكَافِرُونَ }

والمراد بالغيب فى قوله - سبحانه - { وَلِلَّهِ غَيْبُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ... } ما لا تدركه الحواس، ولا تحيط بكنهه العقول لأنه غائب عن مدارك الخلائق. والكلام على حذف مضاف، والتقدير لله - تعالى - وحده، علم جميع الأمور الغائبة عن مدارك المخلوقين، والتى لا سبيل لهم إلى معرفتها لا عن طريق الحس، ولا عن طريق العقل. ومن كانت هذه صفته، كان مستحقا للعبادة والطاعة، لا تلك المعبودات الباطلة التى لا تعلم من أمرها أو من أمر غيرها شيئا. وقوله - سبحانه - { وَمَآ أَمْرُ ٱلسَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ ٱلْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ } بيان لسرعة نفاذ أمره بدون مهلة. والساعة فى الأصل اسم لمقدار قليل من الزمان غير معين. والمراد بها هنا يوم القيامة وما يحدث فيه من أهوال. وسمى يوم القيامة بالساعة لوقوعه بغتة، أو لسرعة ما يقع فيه من حساب أو لأنه على طوله زمنه يسير عند الله - تعالى -. واللمح النظر الذى هو فى غاية السرعة. يقال لمحه لمحا ولمحانا إذا رآه بسرعة فائقة، ولمح البصر التحرك السريع لطرف العين من جهة الى جهة، أو من أعلى إلى أسفل. و " أو " هنا للتخيير بالنسبة لقدرة الله - تعالى - أو للإِضراب. أى ولله - سبحانه - وحده علم جميع ما غاب فى السماوات والأرض من أشياء، وما أمر قيام الساعة فى سرعته وسهولته، وما يترتب عليه من إماتة وإحياء، وحساب، وثواب وعقاب... ما أمر ذلك كله إلا كتحرك طرف العين من جهة إلى جهة، أو هو - أى أمر قيامها - أقرب من ذلك وأسرع، بحيث يكون فى نصف هذا الزمان أو أقل من ذلك، لأن قدرته لا يعجزها شئ، قال - تعالى - { إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَآ أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ }. والمقصود من هذه الجملة الكريمة بيان سرعة تأثير قدرة الله - عز وجل - متى توجهت إلى شئ من الأشياء. ثم ختم - سبحانه - الآية الكريمة بما يؤكد شمول قدرته فقال - تعالى - { إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } أى إن الله - تعالى - لا يعجز قدرته شئ سواء أكان هذا الشئ يتعلق بأمر قيام الساعة فى أسرع من لمح البصر.. أم بغير ذلك من الأشياء. ثم ساق - تعالى - بعد ذلك أنواعا من نعمه على عباده فقال { وَٱللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً }. أى والله - تعالى - وحده هو الذى أخرجكم - أيها الناس - من بطون أمهاتكم إلى هذه الدنيا، وأنتم لا تعلمون شيئا لا من العلم الدنيوى ولا من العلم الدينى، ولا تعرفون ما يضركم أو ينفعكم، والجملة الكريمة معطوفة على قوله - تعالى - قبل ذلك

السابقالتالي
2 3 4 5 6