الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِّنَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ شَيْئاً وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ } * { فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلَّهِ ٱلأَمْثَالَ إِنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } * { ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً عَبْداً مَّمْلُوكاً لاَّ يَقْدِرُ عَلَىٰ شَيْءٍ وَمَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرّاً وَجَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } * { وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَآ أَبْكَمُ لاَ يَقْدِرُ عَلَىٰ شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَىٰ مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَهُوَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }

والمراد بقوله سبحانه { وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ..... } كل معبود سوى الله - تعالى - من صنم أو وثن أو غير ذلك من المعبودات الباطلة. والجملة الكريمة داخلة تحت مضمون الاستفهام الانكارى، ومعطوفة عليه وهو قوله - تعالى -أَفَبِٱلْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ ٱللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ } أى أن هؤلاء الجاحدين لنعم الله - تعالى -، بلغ من جهالتهم وسفاهاتهم أنهم يؤمنون بالباطل، ويكفرون بالحق، ويعبدون من دون الله - تعالى - أصناما وأوثانا لا تملك لعابدها أى شئ من الرزق فهى لا تنزل مطرا من السماء ولا تخرج نباتا من الأرض، ولا تستطيع أن تنفع أو تضر.. و " ما " فى قوله - تعالى - { مَا لاَ يَمْلِكُ.. } كناية عن معبوداتهم الباطلة فهى مفردة لفظا، مجموعة معنى. والتنكير فى قوله - سبحانه - { رزقا } للاشعار بقلته وتفاهته، وأن معبوداتهم لا تملك لهم أى شئ من الرزق، حتى ولو كان تافها حقيرا. وقوله { شيئا } منصوب على المصدر، أى ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم ملكا، أى شيئا من الملك. والضمير فى قوله { ولا يستطيعون } يعود إلى { ما } وجمع بصيغة العقلاء بناء على زعمهم الفاسد، من أن هذه الأصنام فى إمكانها النفع والضر. وجاءت جملة { ولا يستطيعون } بعد قوله - تعالى - { مَا لاَ يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِّنَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ.. } لتأكيد عجز هذه المعبودات عن فعل أى شئ فهى لا تملك شيئا، وليس فى استطاعتها أن تملك لأنها ليست أهلا لذلك. وقوله - سبحانه - { فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلَّهِ ٱلأَمْثَالَ.. } نهى منه - سبحانه - عن أن يشبه فى ذاته أو صفاته بغيره، وقد جاء هذا النهى فى صورة الالتفات من الغائب إلى المخاطب للاهتمام بشأن هذا النهى، والفاء لترتيب النهى على ما عدد من النعم التى وردت فى هذه السورة والتى لم ينته الحديث عنها بعد. والأمثال جمع مثل، وهو النظير والشبيه لغيره، ثم أطلق على القول السائر المعروف، لمماثلة مضربه - وهو الذى يضرب فيه -، لمورده - وهو الذى ورد فيه أولا. وتضرب الأمثال لتوضيح الشئ الغريب، وتقريب المعنى المعقول من المعنى المحسوس، وعرض ما هو غائب فى صورة ما هو مشاهد، فيكون المعنى الذى ضرب له المثل أوقع فى القلوب، وأثبت فى النفوس. وقوله - تعالى - { إِنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } تعليل لهذا النهى عن ضرب الأمثال لله - عز وجل -. أى فلا تتجاسروا، وتتطاولوا، وتضربوا لله - تعالى - الأمثال، كما يضرب بعضكم لبعض، فإن الله - تعالى - هو الذى يعلم كيف تضرب الأمثال وأنتم لا تعلمون ذلك.

السابقالتالي
2 3 4 5