الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَٱللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ ٱلْعُمُرِ لِكَيْ لاَ يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ } * { وَٱللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ فِي ٱلْرِّزْقِ فَمَا ٱلَّذِينَ فُضِّلُواْ بِرَآدِّي رِزْقِهِمْ عَلَىٰ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَآءٌ أَفَبِنِعْمَةِ ٱللَّهِ يَجْحَدُونَ } * { وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ أَفَبِٱلْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ ٱللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ }

قال الإِمام الرازى - رحمه الله - " لما ذكر - سبحانه - بعض عجائب أحوال الحيوانات، ذكر بعده بعض عجائب أحوال الناس، ومنها ما هو مذكور فى هذه الآية { وَٱللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ ٱلْعُمُرِ } - وهو إشارة إلى مراتب عمر الإِنسان. والعقلاء ضبطوها فى أربع مراتب أولها سن النشوء والنماء، وثانيها سن الوقوف وهو سن الشباب، من ثلاث وثلاثين سنة إلى أربعين سنة -، وثالثها سن الانحطاط القليل وهو سن الكهولة - وهو من الأربعين إلى الستين - ورابعها سن الانحطاط الكبير - وهو سن الشيخوخة - وهو من الستين إلى نهاية العمر - ". والمعنى { والله } - تعالى - هو الذى { خلقكم } بقدرته، ولم تكونوا قبل ذلك شيئا مذكورا. " ثم " هو وحده الذى { يتوفاكم } وينهى حياتكم من هذه الدنيا عند انقضاء آجالكم. وقوله { وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ ٱلْعُمُرِ.. } معطوف على مقدر. أى والله - تعالى - هو الذى خلقكم، فمنكم من يبقى محتفظا بقوة جسده وعقله حتى يموت، ومنكم من يرد إلى أرذل العمر.. والمراد بأرذل العمر أضعفه وأوهاه وهو وقت الهرم والشيخوخة، الذى تنقص فيه القوى، وتعجز فيه الحواس عن أداء وظائفها. يقال رَذُلَ الشئ يَرْذُل - بضم الذال فيهما - رذالة.. إذا ذهب جيده وبقى رديئه. وقوله { لِكَيْ لاَ يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً } تعليل للرد إلى أرذل العمر. أى فعلنا ما فعلنا من إبقاء بعض الناس فى هذه الحياة إلى سن الشيخوخة لكى يصير إلى حالة شبيهة بحالة طفولته فى عدم إدراك الأمور إدراكا تاما وسليما. ويجوز أن تكون اللام للصيرورة والعاقبة. أى ليصير أمره بعد العلم بالأشياء، إلى أن لا يعلم شيئا منها علما كاملا. ولقد استعاذ النبى صلى الله عليه وسلم من أن يصل عمره إلى هذه السن، لأنها سن تتكاثر فيها الآلام والمتاعب. وقد يصير الإِنسان فيها عالة على غيره. وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى -ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ وَهُوَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْقَدِيرُ } قال الإِمام ابن كثير روى البخارى عند تفسير هذه الآية، عن أنس بن مالك، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو فيقول " اللهم إنى أعوذ بك من البخل، والكسل، والهرم، وأرذل العمر، وعذاب القبر، وفتنة الدجال، وفتنة المحيا والممات ". وقال زهير بن أبى سلمى فى معلقته المشهورة
سئمت تكاليف الحياة ومن يعش ثمانين حولا لا أبا لك يسأم رأيت المنايا خبط عشواء من تصب تمته، ومن تخطئ يعمر فيهرم   

السابقالتالي
2 3 4