الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلَوْ يُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَآبَّةٍ وَلٰكِن يُؤَخِّرُهُمْ إلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّىٰ فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ } * { وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ ٱلْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ ٱلْحُسْنَىٰ لاَ جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ ٱلْنَّارَ وَأَنَّهُمْ مُّفْرَطُونَ } * { تَٱللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَآ إِلَىٰ أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ ٱلْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { وَمَآ أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ ٱلَّذِي ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }

و " لو " فى قوله - تعالى - { وَلَوْ يُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ بِظُلْمِهِمْ.. } حرف امتناع لامتناع. أى حرف شرط يدل على امتناع وقوع جوابه، لأجل امتناع وقوع شرطه، وقد امتنع هنا إهلاك الناس، لامتناع إرادة الله - تعالى - ذلك. وقوله { يؤاخذ } مفاعلة من المؤاخذة بمعنى العقوبة، فالمفاعلة فيه بمعنى الفعل المجرد. فمعنى آخذ الله - تعالى - الناس يؤاخذهم أخذهم وعاقبهم بسبب ذنوبهم. والأخذ بمعنى العقاب قد جاء فى القرآن الكريم فى آيات كثيرة ومن ذلك قوله - تعالى -وَكَذٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ ٱلْقُرَىٰ وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ } والباء فى { بظلمهم } للسببية، والظلم مجاوزة الحدود التى شرعها الله - تعالى - وأعظمه الإِشراك بالله - تعالى - كما قال - تعالى -إِنَّ ٱلشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } والمراد من المؤاخذة بسبب ظلمهم تعجيل العقوبة لهم فى الدنيا. والضمير فى قوله - سبحانه - { عليها } يعود على الأرض. وصح عود الضمير عليها مع أنه لم يسبق ذكر لها، لأن قوله { من دابة } يدل على ذلك لأنه من المعلوم، أن الدواب تدب على الأرض. ونظيره قوله - تعالى - فى آية أخرىمَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهْرِهَا مِن دَآبَّةٍ } وقولهحَتَّىٰ تَوَارَتْ بِٱلْحِجَابِ } أى الشمس. فإنه وإن كان لم يجر لها ذكر إلا أن المقام يدل عليها. ورجوع الضمير إلى غير مذكور فى الكلام إلا أن المقام يدل عليه كثير فى كلام العرب، ومنه قول حاتم الطائى
أماوىّ ما يغنى الثراء عن الفتى إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر   
فقوله حشرجت وضاق بها، المقصود به الروح أو النفس، ولم يجر لها ذكر، إلا أن قوله وضاق بها الصدر، يعين أن المراد بها النفس. والمراد بالساعة فى { لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً } مطلق الوقت الذى هو غاية فى القلة. والمعنى ولو عاجل الله - تعالى - الناس بالعقوبة، بسبب ما اجترحوه من ظلم وآثام، لأهلكهم جميعا، وما ترك على ظهر الأرض من دابة تدب عليها، ولكنه - سبحانه - فضلا منه وكرما، لا يعاجلهم بالعقوبة التى تستأصلهم بل يؤخرهم { إلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّىٰ } أى إلى وقت معين محدد تنتهى عنده حياتهم، وهذا الوقت المحدد لا يعلمه إلا هو - سبحانه - { فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ }. أى فإذا حان الوقت المحدد لهلاكهم، فارقوا هذه الدنيا بدون أدنى تقديم أو تأخير عن هذا الوقت. هذا، ومن العلماء من ذهب إلى أن المراد بالناس هنا الكفار خاصة، لأنهم هم الذين أشركوا مع الله آلهة أخرى. ويبدو لنا أن المراد بالناس هنا العموم، لأن قوله { من دابة } يشمل كل ما يطلق عليه اسم الدابة، ولأن النكرة فى سياق النفى إذا زيدت قبلها لفظة " من " تكون نصا صريحا فى العموم.

السابقالتالي
2 3 4 5