الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ أَتَىٰ أَمْرُ ٱللَّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ } * { يُنَزِّلُ ٱلْمَلاۤئِكَةَ بِٱلْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوۤاْ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنَاْ فَٱتَّقُونِ } * { خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقِّ تَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ } * { خَلَقَ ٱلإِنْسَانَ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ } * { وَٱلأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ } * { وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ } * { وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَىٰ بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ ٱلأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ } * { وَٱلْخَيْلَ وَٱلْبِغَالَ وَٱلْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } * { وَعَلَىٰ ٱللَّهِ قَصْدُ ٱلسَّبِيلِ وَمِنْهَا جَآئِرٌ وَلَوْ شَآءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ }

افتتحت السورة الكريمة، بتهديد الكافرين الذين كانوا ينكرون البعث، وما يترتب عليه من ثواب أو عقاب، ويستبعدون نصر الله - تعالى - لأوليائه، فقال - تعالى - { أَتَىٰ أَمْرُ ٱللَّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ } والفعل { أتى } هنا، بمعنى قرب ودنا بدليل { فلا تستعجلوه } ، لأن المنهى عن الاستعجال يقتضى أن الأمر الذى استعجل حصوله لم يحدث بعد. والمراد بأمر الله ما اقتضته سنته وحكمته - سبحانه - من إثابة المؤمنين ونصرهم، وتعذيب الكافرين ودحرهم. والفاء فى قوله { فلا تستعجلوه } للتفريع. والاستعجال طلب حصول الشئ قبل وقته. والضمير المنصوب فى { تستعجلوه } يعود على { أمر الله } ، لأنه هو المتحدث عنه، أو على { الله } - تعالى -، فلا تستعجلوا الله فيما قضاه وقدره. والمعنى قرب ودنا مجئ أمر الله - تعالى - وهو إكرام المؤمنين بالنصر والثواب، وإهانة الكافرين بالخسران والعقاب، فلا تستعجلوا - أيها المشركون - هذا الأمر، فإنه آت لا ريب فيه، ولكن فى الوقت الذى يحدده الله تعالى - ويشاؤه. وعبر عن قرب إتيان أمر الله - تعالى - بالفعل الماضى { أتى } للإِشعار بتحقق هذا الإِتيان، وللتنويه بصدق المخبر به، حتى لكأن ما هو واقع عن قريب، قد صار فى حكم الواقع فعلا. وفى إبهام أمر الله، إشارة إلى تهويله وتعظيمه، لإِضافته إلى من لا يعجزه شئ فى الأرض ولا فى السماء. قوله { فلا تستعجلوه } زيادة فى الإِنذار والتهديد، أى فلا جدوى من استعجالكم، فإنه نازل بكم سواء استعجلتم أم لم تستعجلوا. والظاهر أن الخطاب هنا للمشركين، لأنهم هم الذين كانوا يستعجلون قيام الساعة، ويستعجلون نزول العذاب بهم، وقد حكى القرآن عنهم ذلك فى آيات منها قوله - تعالى -يَسْتَعْجِلُ بِهَا ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِهَا وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا ٱلْحَقُّ أَلاَ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُمَارُونَ فَي ٱلسَّاعَةِ لَفِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ } ومنها قوله - سبحانه -وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ ٱللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ } وقال بعض العلماء و " يجوز أن يكون الخطاب هنا شاملا للمؤمنين، لأن عذاب الله - تعالى - وإن كان الكافرون يستعجلونه، تهكما به، لظنهم أنه غير آت، فإن المؤمنين يضمرون فى نفوسهم استبطاءه، ويحبون تعجيله للكافرين ". وقوله { سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ } جملة مستأنفة، قصد بها إبطال إشراكهم، وزيادة توبيخهم وتهديدهم. أى تنزه الله - تعالى - وتعاظم بذاته وصفاته، عن إشراك المشركين، المؤدى بهم إلى الأقوال الفاسدة، والأفعال السيئة، والعاقبة الوخيمة، والعذاب المهين. وقوله { يشركون } قراءة الجمهور، وفيها التفات من الخطاب فى قوله { فلا تستعجلوه } إلى الغيبة، تحقيرا لشأن المشركين، وحطا من درجتهم عن رتبة الخطاب، وحكاية لشنائعهم التى يتبرأ منها العقلاء.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9