الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَيَجْعَلُونَ لِمَا لاَ يَعْلَمُونَ نَصِيباً مِّمّا رَزَقْنَاهُمْ تَٱللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ } * { وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ ٱلْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَّا يَشْتَهُونَ } * { وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِٱلأُنْثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ } * { يَتَوَارَىٰ مِنَ ٱلْقَوْمِ مِن سُوۤءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَىٰ هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي ٱلتُّرَابِ أَلاَ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ } * { لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ مَثَلُ ٱلسَّوْءِ وَلِلَّهِ ٱلْمَثَلُ ٱلأَعْلَىٰ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ }

وقوله - سبحانه - { وَيَجْعَلُونَ لِمَا لاَ يَعْلَمُونَ نَصِيباً مِّمّا رَزَقْنَاهُمْ... }. معطوف على ما سبقه بحسب المعنى، لتسجيل رذائلهم، وتعداد جناياتهم. وضمير الجمع فى قوله { لِمَا لاَ يَعْلَمُونَ } يصح أن يعود إلى الكفار، كالذى قبله فى { ويجعلون }. فيكون المعنى إن هؤلاء المشركين يفعلون ما يفعلون من إشراكهم بالله - تعالى - ومن التضرع إليه عند الضر ونسيانه عند الرخاء.. ولا يكتفون بذلك، بل ويجعلون للأصنام التى لا يعلمون منها ضرا ولا نفعا، نصيبا مما رزقناهم من الحرث والأنعام وغيرهما. ويصح أن يعود ضمير الجمع فى قوله { لِمَا لاَ يَعْلَمُونَ } للأصنام، فيكون المعنى ويجعلون للأصنام التى لا تعلم شيئا لأنها جماد لا يعقل ولا يسمع ولا يبصر.. يجعلون لها نصيبا مما رزقناهم. قال الآلوسى " قوله { لِمَا لاَ يَعْلَمُونَ } أى لآلهتهم التى لا يعلمون أحوالها وأنها لا تضر ولا تنفع، على أن " ما " موصولة، والعائد محذوف وضمير الجمع للكفار، أو لآلهتهم التى لا علم لها بشئ لأنها جماد. على أن " ما " موصوله - أيضا - عبارة عن الآلهة، وضمير { يعلمون } عائد عليها ومفعول { يعلمون } متروك لقصد العموم، وصيغة جمع العقلاء لوصفهم الآلهة بصفاتهم.. ". وقال - سبحانه - { نصيبا } بالتنكير، للايماء بأنه نصيب كبير وضعوه فى غير موضعه ووصفه بأنه مما رزقهم - سبحانه - لتهويل جهلهم وظلمهم، حيث تركوا التقرب إلى الرازق الحقيقى - جل وعلا -، وتقربوا بجانب كبير مما رزقهم به - سبحانه - إلى جمادات لا تغنى عنهم شيئا. وما أجملته هذه الآية الكريمة عن جهالتهم، فصلته آيات أخرى منها قوله - تعالى - فى سورة الأنعاموَجَعَلُواْ للَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ ٱلْحَرْثِ وَٱلأَنْعَامِ نَصِيباً فَقَالُواْ هَـٰذَا للَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَـٰذَا لِشُرَكَآئِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَآئِهِمْ فَلاَ يَصِلُ إِلَىٰ ٱللَّهِ وَمَا كَانَ للَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَىٰ شُرَكَآئِهِمْ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ } وقوله - سبحانه - { تَٱللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ } تهديد ووعيد لهم على سوء أفعالهم. أى أقسم بذاتى لتسألن - أيها المشركون - سؤال توبيخ وتأنيب فى الآخرة، عما كنتم تفترونه من أكاذيب فى الدنيا، ولأعاقبنكم العقاب الذى تستحقونه بسبب افترائكم وكفركم. وصدرت الجملة الكريمة بالقسم، لتأكيد الوعيد، ولبيان أن العقاب أمر محقق بالنسبة لهم وجاءت الجملة الكريمة بأسلوب الالتفات من الغيبة إلى الخطاب، لأن توبيخ الحاضر أشد من توبيخ الغائب. وقوله - سبحانه - { وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ ٱلْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ } بيان لرذيلة أخرى من رذائلهم الكثيرة، وهو معطوف على ما قبله. وسؤالهم يوم القيامة عما اجترحوه - مع أنه سؤال تقريع وتأنيب - إلا أنه يدل على عدل الله - تعالى - مع هؤلاء الظالمين، لأنه لم يعاقبهم إلا بعد أن سألهم، وبعد أن ثبت إجرامهم وفى ذلك ما فيه من تعليم العباد أن يكونوا منصفين فى أحكامهم.

السابقالتالي
2 3 4