الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ أَفَأَمِنَ ٱلَّذِينَ مَكَرُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ أَن يَخْسِفَ ٱللَّهُ بِهِمُ ٱلأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ ٱلْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ } * { أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ } * { أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَىٰ تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ }

قال الآلوسى ما ملخص قوله - تعالى - { أَفَأَمِنَ ٱلَّذِينَ مَكَرُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ } هم عند أكثر المفسرين، مشركو مكة، الذين مكروا برسول الله صلى الله عليه وسلم، وراموا صد أصحابه عن الإِيمان. وقيل هم الذين احتالوا لهلاك الأنبياء... والمعول عليه ما عليه أكثر المفسرين،. والاستفهام فى الآية الكريمة للتعجيب والتوبيخ. والفاء للعطف على مقدر دل عليه المقام. قال بعضهم ما ملخصه " كل ما جاء فى القرآن الكريم، من همزة استفهام بعدها واو العطف أو فاؤه. فالأظهر فيه، أن الفاء والواو كلتاهما عاطفة ما بعدها على محذوف دل عليه المقام. والتقدير هنا أجهل الذين مكروا السيئات وعيد الله لهم بالعقاب، فأمنوا مكره ". والمراد بمكرهم هنا سعيهم بالفساد بين المؤمنين، على سبيل الإِخفاء والخداع. والسيئات صفة لمصدر محذوف، أى مكروا المكرات السيئات. والمكرات - بفتح الكاف - جمع مكرة - بسكونها - وهى المرة من المكر. ويجوز أن تكون كلمة السيئات مفعولا به بتضمين { مكروا } معنى فعلوا. والخسف التغييب فى الأرض، بحيث يصير المخسوف به فى باطنها. يقال خسف الله بفلان الأرض، إذا أهلكه بتغييبه فيها. ومنه قوله - تعالى -فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ ٱلأَرْضَ.... } والمعنى أجهل الذين اجترحوا السيئات وعيدنا، فأمنوا عقابنا وتوهموا أنهم لن يصيبهم شئ من عذابنا، الذى من مظاهره خسف الأرض بهم كما خسفناها بقارون من قبلهم؟!!. إن جهلهم هذا لدليل على انطماس بصيرتهم، واستحواذ الشيطان عليهم. وقوله { أَوْ يَأْتِيَهُمُ ٱلْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ } بيان للون آخر من ألوان تهديدهم. أى فى قدرتنا أن نخسف بهم الأرض، وفى قدرتنا أيضا أن نرسل عليهم العذاب فجأة فيأتيهم من جهة لا يتوقعون مجيئه منها، ولا يترقبون الشر من ناحيتها. وفى الجملة الكريمة إشارة إى أن هذا العذاب الذى يأتيهم من حيث لا يشعرون. عذاب لا يمكن دفعه أو الهرب منه، لأنه أتاهم بغتة، ومن جهة لا يترقبون الشر منها. وشبيه بهذا قوله - سبحانه -فَأَتَاهُمُ ٱللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُواْ... } وقوله - سبحانه -أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ } بيان لنوع ثالث من أنواع التهديدات التى هددهم الله - تعالى - بها. والأخذ فى الأصل حوز الشئ وتحصيله، والمراد به هنا القهر والإِهلاك والتدمير ومنه قوله - تعالى -فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَّابِيَةً } وقوله - تعالى -كَذَّبُواْ بِئَايَاتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عِزِيزٍ مُّقْتَدِرٍ } والتقلب الحركة السريعة إقبالا وإدبارا، من أجل السعى فى شئون الحياة من متاجرة ومعاملة وسفر وغير ذلك. ومنه قوله - تعالى -لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي ٱلْبِلاَدِ } أى فى قدرتنا أن نخسف بهم الأرض، وأن نرسل عليهم العذاب من حيث لا يشعرون، وفى قدرتنا كذلك أن نهلكهم وهم يتحركون فى مناكب الأرض خلال سفرهم أو إقامتهم، فإنهم فى جميع الأحوال لا يعجزنا أخذهم، ولا مهرب لهم مما نريده بهم.

السابقالتالي
2