الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي ٱللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا حَسَنَةً وَلأَجْرُ ٱلآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } * { ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ }

أخرج ابن جرير عن قتادة قال قوله - تعالى - { وَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي ٱللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ.. } هؤلاء أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم. ظلمهم أهل مكة فأخرجوهم من ديارهم، حتى لحق طائفة منهم بالحبشة، ثم بوأهم الله - تعالى - المدينة فجعلها لهم دار هجرة، وجعل لهم أنصارا من المؤمنين. وعن ابن عباس هم قوم هاجروا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل مكة، بعد أن ظلمهم المشركون،. والذى نراه أن الآية الكريمة تشمل هؤلاء، وتشمل غيرهم ممن هاجر من بلده إلى غيرها، رجاء ثواب الله، وخدمة لدينه. والمهاجرة فى الأصل تطلق على المفارقة والمتاركة للديار وغيرها، واستعملت شرعا فى المهاجرة من دار الكفر إلى دار الإِيمان، أو من دار الكفر إلى غيرها لنشر دعوة الإِسلام. وقوله { لنبوئنهم } من التبوؤ بمعنى الإِحلال والإِسكان والإِنزال يقال بوأ فلان فلانا منزلا، إذا أسكنه فيه، وهيأه له. { وحسنة } صفة لموصوف محذوف أى لنبوئنهم تبوئة حسنة، أو دارا حسنة. والمراد بهذه الحسنة ما يشمل نزولهم فى المدينة، ونصرهم على أعدائهم، وإبدال خوفهم أمنا. قال القرطبى فى المراد بالحسنة هنا ستة أقوال " نزول المدينة قاله ابن عباس والحسن.. الثانى الرزق الحسن. قاله مجاهد. الثالث النصر على عدوهم، قاله الضحاك، الرابع لسان صدق، حكاه ابن جريج. الخامس ما استولوا عليه من البلاد.. السادس ما بقى لهم فى الدنيا من ثناء، وما صار فيها لأولادهم من الشرف. ثم قال وكل ذلك قد اجتمع لهم بفضل الله - تعالى - ". والمعنى والذين هاجروا فى سبيل الله، وفارقوا قومهم وأوطانهم وأموالهم وأولادهم.. من أجل إعلاء كلمته، بعد أن تحملوا الكثير من أذى المشركين وظلمهم وطغيانهم. هؤلاء الذين فعلوا ذلك من أجل نصرة ديننا، لنسكننهم فى الدنيا مساكن حسنة يرضونها، ولنعطينهم عطاء حسنا يسعدهم، ولننصرنهم على أعدائهم نصرا مؤزرا. وقوله { فى الله } أى فى سبيله، ومن أجل نصرة دينه. فحرف " فى " مستعمل للتعليل، كما فى قوله صلى الله عليه وسلم " دخلت امرأة النار فى هرة حبستها... ". والمقصود أن هذا الأجر الجزيل إنما هو للمهاجرين من أجل إعلاء كلمة الله، ومن أجل نصرة الحق، وليس لمن هاجر لنشر الظلم أو الفساد فى الأرض. وأسند فعل { ظلموا } إلى المجهول، لظهور الفاعل من السياق وهو المشركون. وفى ذلك إشارة إلى أن هؤلاء المهاجرين لم يفارقوا ديارهم، إلا بعد أن أصابهم ظلم أعدائهم لهم، كتعذيبهم إياهم، وتضييقهم عليهم، إلى غير ذلك من صنوف الأذى. وأكد - سبحانه - الجزاء الحسن اذى وعدهم به باللام وبنون التوكيد { لنبوئنهم.

السابقالتالي
2