الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لاَ يَبْعَثُ ٱللَّهُ مَن يَمُوتُ بَلَىٰ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً وَلـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلْنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } * { لِيُبَيِّنَ لَهُمُ ٱلَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَاذِبِينَ } * { إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَآ أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ }

قوله - سبحانه - { وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ... } معطوف على قوله - تعالى - قبل ذلكوَقَالَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ نَّحْنُ وَلاۤ آبَاؤُنَا } للإيذان بأنهم قد جمعوا بين إنكار التوحيد وإنكار البعث بعد الموت. والقسم الحلف وسمى الحلف قسما، لأنه يكون عند انقسام الناس إلى مصدق ومكذب والجهد - بفتح الجيم - المشقة. يقال جهد فلان دابته وأجهدها، إذا حمل عليها فوق طاقتها. وجهد الرجل فى كذا، إذا جد فيه وبالغ، وبابه قطع. والمراد بقوله { جهد أيمانهم } أنهم أكدوا الأيمان ووثقوها بكل ألفاظ التأكيد والتوثيق، على أنه لا بعث ولا حساب بعد الموت، لأنهم يزعمون أن إعادة الميت إلى الحياة بعد أن صار ترابا وعظاما نخرة، أمر مستحيل. وقد أكدوا زعمهم هذا بالقسم، للتدليل على أنهم متثبتون مما يقولونه، ومتيقنون من صحة ما يدعونه، من أنه لا يبعث الله من يموت. قال القرطبى. قوله - تعالى - { وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ.. } هذا تعجيب من صنعهم، إذ أقسموا بالله وبالغوا فى تغليظ اليمين بأن الله لا يبعث من يموت. ووجه العجب أنهم يظهرون تعظيم الله فيقسمون به ثم يعجزونه عن بعث الأموات. وقال أبو العالية كان لرجل من المسلمين على مشرك دين فتقاضاه، وكان فى بعض كلامه والذى أرجوه بعد الموت إنه لكذا، فأقسم المشرك بالله لا يبعث الله من يموت، فنزلت الآية. وفى البخارى عن أبى هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم " قال الله - تعالى - كذبنى ابن آدم ولم يكن له ذلك، وشتمنى ولم يكن له ذلك، فأما تكذيبه إياى فقوله لن يعيدنى كما بدأنى، وأما شتمه إياى فقوله اتخذ الله ولدا، وأنا الأحد الصمد، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ". وقوله - سبحانه - { بَلَىٰ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً وَلـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلْنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } تكذيب لهم فيما زعموه من أن الله - تعالى - لا يبعث من يموت، ورد عليهم فيما قالوه بغير علم. و { بلى } حرف يؤتى به لإِبطال النفى فى الخبر والاستفهام. أى بلى سيبعث الله - تعالى - الأموات يوم القيامة، وقد وعد بذلك وعدا صدقا لا خلف فيه ولا تبديل، ولكن أكثر الناس لا يعلمون هذه الحقيقة لجهلهم بكمال قدرة الله - تعالى - وعموم علمه، ونفاذ إرادته، وسمو حكمته. قال الجمل " وقوله { وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً } هذان المصدران منصوبان على المصدر المؤكد، أى وعد ذلك وعدا، وحق حقا. وقيل حقا نعتا لوعدا، والتقدير، بلى يبعثهم وعد بذلك وعدا حقا ".

السابقالتالي
2 3