الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَقِيلَ لِلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْراً لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هٰذِهِ ٱلْدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ ٱلآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ ٱلْمُتَّقِينَ } * { جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَآؤونَ كَذَلِكَ يَجْزِي ٱللَّهُ ٱلْمُتَّقِينَ } * { ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ٱدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ }

فقوله - سبحانه - { وَقِيلَ لِلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْراً.. } بيان لما رد به المؤمنون الصادقون، على من سألهم عما أنزله الله - تعالى - على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم. وهو معطوف على ما قبله، للمقابلة بين ما قاله المتقون، وما قاله المستكبرون. ووصفهم بالتقوى، للاشعار بأن صيانتهم لأنفسهم عن ارتكاب ما نهى الله - تعالى - عنه، وخوفهم منه - سبحانه - ومراقبتهم له، كل ذلك حملهم على أن يقولوا هذا القول السديد. وكلمة { خيرا } مفعول لفعل محذوف أى أنزل خيرا. أى رحمة وبركة ونورا وهداية، إذ لفظ { خيرا } من الألفاظ الجامعة لكل فضيلة. قال صاحب الكشاف فان قلت لم نصب هذا ورفع الأول؟. قلت فَصْلاً بين جواب المقر وجواب الجاحد، يعنى أن هؤلاء لما سئلوا لم يتلعثموا وأطبقوا الجواب على السؤال بينا مكشوفا مفعولا للإِنزال، فقالوا خيرا. أى أنزل خيرا. وأولئك عدلوا بالجواب عن السؤال فقالوا هو أساطير الأولين وليس من الإِنزال فى شئ. وقوله - سبحانه - { لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هٰذِهِ ٱلْدُّنْيَا حَسَنَةٌ } جملة مستأنفة لبيان ما وعدهم به - تعالى - على أعمالهم الصالحة من أجر وثواب. أى هذه سنتنا فى خلقنا أننا نجازى الذين يعملون الصالحات بالجزاء الحسن الكريم، دون أن نضيع من أعمالهم شيئا. وقوله { حسنة } صفة لموصوف محذوف أى مجازاة حسنة بسبب أعمالهم الصالحة. كما قال - تعالى - فى آية أخرىمَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } ثم بين - سبحانه - جزاءهم فى الآخرة فقال { وَلَدَارُ ٱلآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ ٱلْمُتَّقِينَ }. والمراد بدار المتقين الجنة ونعيمها. و { خير } صيغة تفضيل، حذفت همزتها لكثرة الاستعمال على سبيل التخفيف، كما قال ابن مالك
وغالبا أغناهم خير وشر عن قولهم أخير منه وأشر   
ونعم فعل ماض لإِنشاء المدح، وهو ضد بئس. والمعنى ولدار الآخرة وما فيها من عطاء غير مقطوع، خير لهؤلاء المتقين مما أعطيناهم فى الدنيا، ولنعم دارهم هذه الدار. قال - تعالى -بَلْ تُؤْثِرُونَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ } ووصفها - سبحانه - بالآخرة، لأنها آخر المنازل، فلا انتقال عنها إلى دار أخرى، كما قال - تعالى -خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً } والمخصوص بالمدح محذوف لتقدم ما يدل عليه، والتقدير ولنعم دار المتقين، دار الآخرة. ثم وصف - سبحانه - ما أعده لهم من نعيم فقال { جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ }. والعدن الإِقامة الدائمة يقال عدن فلان ببلد كذا، إذا توطن فيه وأقام دون أن يبرحه أى لهؤلاء المتقين جنات دائمة باقية، يدخلونها بسرور وحبور، تجرى من تحتها بساتينها وأشجارها الأنهار.

السابقالتالي
2