الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَأَلْقَىٰ فِي ٱلأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَاراً وَسُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } * { وَعَلامَاتٍ وَبِٱلنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ }

ولفظ { رواسى } جمع راس من الرسو - بفتح الراء وسكون السين - بمعنى الثبات والتمكن فى المكان، يقال رسا الشئ يرسو إذا ثبت. وهو صفة لموصوف محذوف. أى جبالا رواسى. و { تميد } أى تضطرب وتميل. يقال ماد الشئ يميد ميدا، إذا تحرك، ومادت الأغصان إذا تمايلت أى وألقى - سبحانه - فى الأرض جبالا ثوابت لكى تقر وتثبت ولا تضطرب. فقوله { أَن تَمِيدَ بِكُمْ } تعليل لإِلقاء الجبال فى الأرض. قال القرطبى وروى الترمذى بسنده عن أنس بن مالك عن النبى صلى الله عليه وسلم قال " لما خلق الله الأرض جعلت تميد وتضطرب، فخلق الجبال عليها فاستقرت، فعجبت الملائكة من شدة الجبال. قالوا يا رب هل من خلقك شئ أشد من الجبال؟ قال نعم، الحديد. قالوا يا رب فهل من خلقك شئ أشد من الحديد؟ قال نعم النار. قالوا يا رب فهل من خلقك شئ أشد من النار؟ قال نعم الماء، قالوا يا رب فهل من خلقك شئ أشد من الماء؟ قال نعم الريح. قالوا يا رب فهل من خلقك شئ أشد من الريح؟ قال نعم، ابن آدم إذا تصدق بصدقة بيمينه يخفيها عن شماله ". هذا، ومن الآيات التى تشبه هذه الآية قوله - تعالى -خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَىٰ فِي ٱلأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ.. } وقوله - تعالى -أَلَمْ نَجْعَلِ ٱلأَرْضَ مِهَاداً وَٱلْجِبَالَ أَوْتَاداً } ثم بين - سبحانه - نعما أخرى لما ألقاه فى الأرض فقال { وَأَنْهَاراً وَسُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ }. أى وجعل فى الأرض { أنهارا } تجرى من مكان إلى آخر، فهى تنبع فى مواضع. وتصب فى مواضع أخرى، وفيها نفع عظيم للجميع، إذ منها يشرب الناس والدواب والأنعام والنبات. وجعل فيها كذلك طرقا ممهدة، يسير فيها السائرون من مكان إلى آخر. { لعلكم تهتدون } بتلك السبل إلى المكان الذى تريدون الوصول إليه. بدون تحير أو ضلال. وقد كرر القرآن الكريم هذا المعنى فى آيات كثيرة، منها قوله تعالى -وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ بِسَاطاً لِّتَسْلُكُواْ مِنْهَا سُبُلاً فِجَاجاً } والمراد بالعلامات فى قوله - تعالى - { وَعَلامَاتٍ وَبِٱلنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ } الأمارات والمعالم التى يضعها الناس على الطرق بإلهام من الله - تعالى - للاهتداء بها عند السفر. والمراد بالنجم الجنس، فيشمل كل نجم يهتدى به المسافر. أى ومن مظاهر نعمه - أيضا -، أنه - سبحانه - جعل فى الأرض معالم وأمارات من جبال كبار، وآكام صغار، وغير ذلك، ليهتدى بها المسافرون فى سفرهم، وتكون عونا لهم على الوصول إلى غايتهم، وبمواقع النجوم هم يهتدون فى ظلمات البر والبحر، إلى الأماكن التى يبغون الوصول إليها.

السابقالتالي
2