الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَهُوَ ٱلَّذِي سَخَّرَ ٱلْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى ٱلْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }

ففى هذه الآية الكريمة بين - سبحانه - أربع نعم على عباده فى تسخير البحر لهم. أما النعمة الأولى فتتجلى فى قوله - تعالى - { وَهُوَ ٱلَّذِي سَخَّرَ ٱلْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً }. والطرى ضد اليابس، والمصدر الطراوة، وفعله طَرُوَ بوزن خشن وقرب. أى وهو - سبحانه - وحده الذى ذلل لكم البحر، بحيث مكنكم من الانتفاع به، وأقدركم على الركوب عليه، وعلى الغوص فيه، وعلى الصيد منه، لتأكلوا من أسماكه لحما. طريا غضا شهيا. ووصف - سبحانه - لحم أسماكه بالطراوة، لأن أكله فى هذه الحالة أكثر فائدة، وألذ مذاقا، فالمنة بأكله على هذه الحالة أتم وأكمل. وقال بعض العلماء وفى وصفه بالطراوة، تنبيه إلى أنه ينبغى المسارعة إلى أكله، لأنه يسرع إليه الفساد والتغير، وقد أثبت الطب أن تناوله بعد ذهاب طراوته من أضر الأشياء، فسبحان الخبير بخلقه، ومعرفته ما يضر استعماله وما ينفع، وفيه أيضا إيماء إلى كمال قدرته - تعالى - فى خلقه الحلو الطرى فى الماء المر الذى لا يشرب. وقد كره العلماء أكل الطافى منه على وجه الماء، وهو الذى يموت حتف أنفه فى الماء فيطفو على وجهه، لحديث جابر - رضى الله عنه - عن النبى صلى الله عليه وسلم " ما نضب عنه الماء فكلوا، وما لفظه فكلوا، وما طفا فلا تأكلوا ". فالمراد من ميتة البحر فى الحديث " هو الطهور ماؤه الحل ميتته " ما لفظه البحر لا ما مات فيه من غير آفة. وقوله { وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا } نعمة ثانية من نعم الله - تعالى - للإِنسان فى تسخير البحر له. والحلية - بالكسر - اسم لما يتحلى به الناس. وجمعها حِلى وحُلى - بضم الحاء وكسرها - يقال تحلت المرأة إذا لبست الحلى، أى ومن فوائد تسخير البحر لكم أنه سبحانه أقدركم على الغوص فيه، لتستخرجوا منه ما يتحلى به نساؤكم كاللؤلؤ والمرجان وما يشبههما. قال - تعالى -مَرَجَ ٱلْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَّ يَبْغِيَانِ فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تِكَذِّبَانِ يَخْرُجُ مِنْهُمَا الُّلؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ } والتعبير بقوله - سبحانه - { تستخرجوا.. } يشير إلى كثرة الإِخراج فالسين والتاء للتأكيد، مثل استجاب بمعنى أجاب. كما يشير إلى أن من الواجب على المسلمين أن يباشروا بأنفسهم استخراج ما فى البحر من كنوز وألا يتركوا ذلك لأعدائهم. وأسند - سبحانه - لباس الحلية إلى ضمير جمع الذكور فقال { تلبسونها } على سبيل التغليب، وإلا فإن هذه الحلية يلبسها النساء فى معظم الأحيان. قال الآلوسى ما ملخصه وقوله { تلبسونها } أى تلبسها نساؤكم، وأسند الفعل إلى ضمير الرجال، لاختلاطهم بهم، وكونهم متبوعين، أو لأنهم سبب لتزينهن، فإنهن يتزين ليحسن فى أعين الرجال، فكأن ذلك زينتهم ولباسهم.

السابقالتالي
2