الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ ٱدْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلْحِكْمَةِ وَٱلْمَوْعِظَةِ ٱلْحَسَنَةِ وَجَٰدِلْهُم بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ } * { وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ } * { وَٱصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِٱللَّهِ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ } * { إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ وَّٱلَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ }

والخطاب فى قوله - تعالى - { ٱدْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلْحِكْمَةِ } للرسول صلى الله عليه وسلم ويدخل فيه كل مسلم يصلح للدعوة إلى الله - عز وجل -. أى ادع - أيها الرسول الكريم - الناس إلى سبيل ربك أى إلى دين ربك وشريعته التى هى شريعة الإِسلام { بالحكمة } أى بالقول المحكم الصحيح الموضح للحق، المزيل للباطل، الواقع فى النفس أجمل موقع. وحذف - سبحانه - مفعول الفعل { ادع } للدلالة على التعميم، أى، ادع كل من هو أهل للدعوة إلى سبيل ربك. وأضاف - سبحانه - السبيل إليه. للإِشارة إلى أنه الطريق الحق، الذى من سار فيه سعد وفاز، ومن انحرف عنه شقى وخسر. وقوله - تعالى - { والموعظة الحسنة } وسيلة ثانية للدعوة إلى الله - تعالى - أى وادعهم - أيضا - إلى سبيل ربك بالأقوال المشتملة على العظات والعبر التى ترقق القلوب، وتهذب النفوس، وتقنعهم بصحة ما تدعوهم إليه، وترغبهم فى الطاعة لله - تعالى - وترهبهم من معصيته - عز وجل - وقوله - تعالى - { وَجَادِلْهُم بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } بيان لوسيلة ثالثة من وسائل الدعوة السليمة. أى وجادل المعاند منهم بالطريقة التى هى أحسن الطرق وأجملها، بأن تكون مجادلتك لهم مبنية على حسن الإِقناع، وعلى الرفق واللين وسعة الصدر فإن ذلك أبلغ فى إطفاء نار غضبهم، وفى التقليل من عنادهم، وفى إصلاح شأن أنفسهم، وفى إيمانهم بأنك إنما تريد من وراء مجادلتهم، الوصول إلى الحق دون أى شئ سواه. وبذلك نرى الآية الكريمة قد رسمت أقوم طرق الدعوة إلى الله - تعالى - وعينت أحكم وسائلها، وأنجعها فى هداية النفوس. إنها تأمر الدعاة فى كل زمان ومكان أن تكون دعوتهم إلى سبيل الله لا إلى سبيل غيره إلى طريق الحق لا طريق الباطل، وإنها تأمرهم - أيضا - أن يراعوا فى دعوتهم أحوال الناس، وطباعهم، وسعة مداركهم، وظروف حياتهم، وتفاوت ثقافاتهم. وأن يخاطبوا كل طائفة بالقدر الذى تسعه عقولهم، وبالأسلوب الذى يؤثر فى نفوسهم، وبالطريقة التى ترضى قلوبهم وعواطفهم. فمن لم يقنعه القول المحكم، قد تقنعه الموعظة الحسنة، ومن لم تقنعه الموعظة الحسنة. قد يقنعه الجدال بالتى هى أحسن. ولذلك كان من الواجب على الدعاة إلى الحق، أن يتزودوا بجانب ثقافتهم الدينية الأصيلة الواسعة - بالكثير من ألوان العلوم الأخرى كعلوم النفس والاجتماع والتاريخ، وطبائع الأفراد والأمم.. فإنه ليس شئ أنجع فى الدعوة من معرفة طبائع الناس وميولهم، وتغذية هذه الطبائع والميول بما يشبعها من الزاد النافع، وبما يجعلها تقبل على فعل الخير، وتدبر عن فعل الشر. وكما أن أمراض الأجسام مختلفة، ووسائل علاجها مختلفة - أيضا -، فكذلك أمراض النفوس متنوعة، ووسائل علاجها متباينة.

السابقالتالي
2 3 4