الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ ٱلْكَذِبَ هَـٰذَا حَلاَلٌ وَهَـٰذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ } * { مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }

قال الآلوسى ما ملخصه قوله { وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ ٱلْكَذِبَ.. } " ما " موصولة، والعائد محذوف، أى ولا تقولوا - فى شأن الذى تصفه ألسنتكم من البهائم بالحل والحرمة - هذا حلال وهذا حرام، من غير ترتب ذلك الوصف على ملاحظة وفكر، فضلا عن استناده إلى وحى أو قياس مبنى عليه، بل مجرد قول باللسان. ولفظ " الكذب " منتصب على أنه مفعول به لـ { تقولوا } وقوله - سبحانه - { هَـٰذَا حَلاَلٌ وَهَـٰذَا حَرَامٌ } بدل منه... والمعنى ولا تقولوا - أيها الجاهلون - للشئ الكذب الذى تصفه ألسنتكم، وتحكيه وتنطق به بدون بينة أو برهان. هذا الشئ حلال وهذا الشئ حرام. وقد حكى الله - تعالى - عن هؤلاء الجاهلين فى آيات كثيرة، أنهم حللوا وحرموا أشياء من عند أنفسهم ومن ذلك قوله - تعالى -وَقَالُواْ مَا فِي بُطُونِ هَـٰذِهِ ٱلأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَىٰ أَزْوَاجِنَا.. } وقوله - سبحانه -قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ لَكُمْ مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِّنْهُ حَرَاماً وَحَلاَلاً قُلْ ءَآللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى ٱللَّهِ تَفْتَرُونَ } قال صاحب الكشاف فإن قلت ما معنى وصف ألسنتهم الكذب؟ قلت هو من فصيح الكلام وبليغه، جعل قولهم كأنه عين الكذب ومحضه. فإذا نطقت به ألسنتهم فقد حلت الكذب بحليته، وصورته بصورته، كقولهم وجهها يصف الجمال، وعينها تصف السحر... وقال بعض العلماء ما ملخصه ويصح أن يكون لفظ الكذب مفعولا لتصف، وأن يكون قوله { هَـٰذَا حَلاَلٌ وَهَـٰذَا حَرَامٌ } مفعولا لتقولوا. وعلى هذا الوجه يكون فى وصف ألسنتهم الكذب، مبالغة فى وصف كلامهم بالكذب، حتى لكأن ماهية الكذب كانت مجهولة، فكشفت عنها ألسنتهم ووضحتها ووصفتها ونعتتها بالنعوت التى جلتها.. ومنه قول الشاعر
أضحت يمينُك من جُودٍ مصوَّرةً لا، بل يمينك منها صُوِّرَ الجودُ   
واللام فى قوله { لِّتَفْتَرُواْ عَلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ } هى لام الصيرورة والعاقبة، أو هى - كما يقول صاحب الكشاف - من التعليل الذى لا يتضمن معنى الغرض، لأن ما صدر عنهم من تحليل وتحريم دون أن يأذن به الله، ليس الغرض منه افتراء الكذب فحسب، بل هناك أغراض أخرى، كظهورهم بمظهر أولى العلم، وكحبهم للتباهى والتفاخر.. وقوله { تفتروا } من الافتراء وهو أشنع أنواع الكذب، لأنه اختلاق للكذب الذى لا يستند إلى شئ من الواقع. أى ولا تقولوا لما تحكيه ألسنتكم من أقوال وأحكام لا صحة لها، هذا حلال وهذا حرام، لتنسبوا ذلك إلى الله - تعالى - كذبا وزورا. قال الإِمام ابن كثير ويدخل فى الآية كل من ابتدع بدعة، ليس له فيها مستند شرعى، أو حلل شيئا مما حرم الله أو حرم شيئا مما أباح الله، بمجرد رأيه وتشهيه.

السابقالتالي
2