الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ فَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ حَلَـٰلاً طَيِّباً وَٱشْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ إِن كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ } * { إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةَ وَٱلْدَّمَ وَلَحْمَ ٱلْخَنْزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ فَمَنِ ٱضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

والفاء فى قوله { فكلوا... } للتفريع على ما تقدم من التمثيل بالقرية التى كفرت بأنعم الله، والتى أصابها ما أصابها بسبب ذلك أى لقد ظهر لكم حال الذين بدلوا نعمة الله كفرا، ورأيتم كيف أذاقهم الله لباس الجوع والخوف، فاحذروا أن تسيروا على شاكلتهم، وكلوا من الحلال الطيب الذى رزقكم الله - تعالى - إياه. واشكروا نعمة الله التى أنعم بها عليكم، بأن تستعملوها فيما خلقت له، وبأن تقابلوها بأسمى ألوان الطاعة لمسديها - عز وجل -. { إِن كُنْتُمْ إِيَّاهَُ } سبحانه - تعبدونه حق العبادة، وتطيعونه حق الطاعة. ثم بين - سبحانه - ما حرمه على عباده رعاية لمصالحهم فقال { إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةَ وَٱلْدَّمَ وَلَحْمَ ٱلْخَنْزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ.. }. والميتة فى عرف الشرع ما مات حتف أنفه، أو قتل على هيئة غير مشروعة، فيدخل فيها المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة، وما عدا عليها السبع. وكان الأكل من الميتة محرما، لفساد جسمها بسبب ذبول أجزائه وتعفنها، ولأنها أصبحت بحالة تعافها الطباع السليمة لقذارتها وضررها. والدم المحرم هو ما يسيل من الحيوان الحى كثيرا كان أم قليلا وكذلك يحرم من دم الحيوان ما جرى منه بعد ذبحه، وهو الذى عبر عنه القرآن بالمسفوح.. والحكمة فى تحريم الدم المسفوح، أنه تستقذره النفوس الكريمة، ويفضى شربه أو أكله إلى الإِضرار بالنفس. وحرمة الخنزير شاملة للحمه ودمه وشحمه وجلده. وإنما خص لحمه بالذكر لأنه المقصود بالأكل، ولأن سائر أجزائه كالتابعة للحمه... ومن الحكم فى تحريم لحم الخنزير قذارته، واشتماله على دودة تضر بآكله، كما أثبت ذلك العلم الحديث. وقوله { وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ } معطوف على ما قبله من المحرمات. والفعل { أهل } مأخوذ من الإِهلال بمعنى رفع الصوت، وكانوا فى الجاهلية إذا أرادوا ذبح ما قربوه إلى آلهتهم، سموا عليها أسماءها فيقولون باسم اللات أو باسم العزى، رافعين بذلك أصواتهم. فأنت ترى أن تحريم الميتة والدم ولحم الخنزير كان لعله ذاتية فى تلك الأشياء، أما تحريم ما أهل لغير الله به، بسبب التوجه بالمذبوح إلى غير الله - عز وجل -. وقوله - تعالى - { فَمَنِ ٱضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } بيان لحالات الضرورة التى يباح للإِنسان فيها أن يأكل من تلك المحرمات. واضطر من الاضطرار وهو الاحتياج إلى الشئ بشدة. والمعنى فمن ألجأته الضرورة إلى أكل شئ من هذه المحرمات، حالة كونه { غير باغ } ، أى غير طالب للمحرم وهو يجد غيره، أو غير طالب له على جهة الاستئثار به على مضطر آخر، { ولا عاد } أى ولا متجاوز فى أكله ما يسد الجوع ويحفظ الحياة { فإن الله } - تعالى - { غفور } واسع المغفرة لعبادة { رحيم } كثير الرحمة بهم. ثم نهى - سبحانه - عن القول على الله - تعالى - بغير علم اتباعا للظن والأوهام، فقال { وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ ٱلْكَذِبَ هَـٰذَا حَلاَلٌ وَهَـٰذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ... }.