الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ ٱللَّهِ فَأَذَاقَهَا ٱللَّهُ لِبَاسَ ٱلْجُوعِ وَٱلْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ } * { وَلَقَدْ جَآءَهُمْ رَسُولٌ مِّنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ ٱلْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ }

والفعل ضرب فى قوله - تعالى - { وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً... } متضمن معنى جعل، ولذا عدى إلى مفعولين. والمثل - بفتح الثاء - بمعنى المثل - بسكونها - أى النظير والشبيه. ويطلق على القول السائر المعروف، لمماثلة مضربه - وهو الذى يضرب فيه لمورده الذى ورد فيه، ثم استعير للصفة والحال كما فى الآية التى معنا. والمراد بالقرية أهلها، فالكلام على تقدير مضاف. وللمفسرين اتجاهان فى تفسير هذه الآية. فمنهم من يرى أن هذه القرية غير معينة، وإنما هى مثل لكل قوم قابلوا نعم الله بالجحود والكفران. وإلى هذا المعنى اتجه صاحب الكشاف حيث قال قوله - تعالى - { وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً... } أى جعل القرية التى هذه حالها مثلا لكل قوم أنعم الله عليهم فأبطرتهم النعمة. فكفروا وتولوا، فأنزل الله بهم نقمته، فيجوز أن تراد قرية مقدرة على هذه الصفة، وأن تكون فى قرى الأولين قرية كانت هذه حالها، فضرب بها الله مثلا لمكة إنذارا من مثل عاقبتها. ومنهم من يرى أن المقصود بهذه القرية مكة، وعلى هذا الاتجاه سار الامام ابن كثير حيث قال ما ملخصه هذا مثل أريد به أهل مكة، فإنها كانت آمنة مطمئنة مستقرة، يتخطف الناس من حولها، ومن دخلها كان آمنا... فجحدت آلاء الله عليها، وأعظمها بعثة محمد صلى الله عليه وسلم فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون. ويبدو لنا أن الاتجاه الأول أقرب إلى الصواب، لتنكير لفظ قرية، ولشموله الاتجاه الثانى، لأنه يتناول كل قرية بدلت نعمة الله كفرا، ويدخل فى ذلك كفار مكة دخولا أوليا. فيكون المعنى وجعل الله قرية موصوفة بهذه الصفات مثلا لكل قوم أنعم الله عليهم بهذه النعم، فلم يشكروا الله - تعالى - عليها، فأخذهم أخذ عزيز مقتدر. وقوله { كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً } أى كانت تعيش فى أمان لا يشوبه خوف، وفى سكون واطمئنان لا يخالطهما فزع أو انزعاج. وقوله { يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ } بيان لسعة عيشها، أى يأتيها ما يحتاج إليه أهلها واسعا لينا سهلا من كل مكان من الأمكنة. يقال رَغُد - بضم الغين - عيش القوم، أى اتسع وطاب فهو رغد ورغيد... وأرغد القوم، أى أخصبوا وصاروا فى رزق واسع. فالآية الكريمة قد تضمنت أمهات النعم الأمان والاطمئنان ورغد العيش. قال بعضهم
ثلاثة ليس لها نهاية الأمن والصحة والكفاية   
وقوله - تعالى - { فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ ٱللَّهِ } بيان لموقفها الجحودى من نعم الله - تعالى - أى فكان موقف أهل هذه القرية من تلك النعم الجليلة، أنهم جحدوا هذه النعم، ولم يقابلوها بالشكر، وإنما قابلوها بالإِشراك بالله - تعالى - مُسدى هذه النعم.

السابقالتالي
2 3