الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ مَن كَفَرَ بِٱللَّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِٱلإِيمَانِ وَلَـٰكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } * { ذٰلِكَ بِأَنَّهُمُ ٱسْتَحَبُّواْ ٱلْحَيَاةَ ٱلْدُّنْيَا عَلَىٰ ٱلآخِرَةِ وَأَنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْكَافِرِينَ } * { أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْغَافِلُونَ } * { لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ هُمُ ٱلْخَاسِرونَ }

ذكر المفسرون فى سبب نزول قوله - تعالى - { مَن كَفَرَ بِٱللَّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ... } روايات منها قول الآلوسى " روى أن قريشا أكرهوا عمارا وأبويه ياسرا، وسمية، على الارتداد فأبوا، فربطوا سمية بين بعيرين... ثم قتلوها وقتلوا ياسرا، وهما أول شهيدين فى الإِسلام. وأما عمار فأعطاهم بلسانه ما أكرهوه عليه، فقيل يا رسول الله إن عمارا قد كفر. فقال صلى الله عليه وسلم " كلا، إن عمارا ملئ إيمانا من قرنه إلى قدمه، واختلط الإِيمان بلحمه ودمه ". فأتى عمار رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يبكى، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح عينيه وقال له " مالك، إن عادوا فعد لهم بما قلت ". وفى رواية أنه قال له " كيف تجد قلبك؟ قال مطمئن بالإِيمان قال صلى الله عليه وسلم إن عادوا فعد ". فنزلت هذه الآية ". ثم قال الآلوسى والآية دليل على جواز التكلم بكلمة الكفر عند الإِكراه، وإن كان الأفضل أن يتجنب عن ذلك إعزازا للدين ولو تيقن القتل، كما فعل ياسر وسمية، وليس ذلك من إلقاء النفس إلى التهلكة، بل هو كالقتل فى الغزو كما صرحوا به. و " من " فى قوله { مَن كَفَرَ بِٱللَّهِ } مبتدأ أو شرطية، والخبر أو جواب الشرط محذوف والتقدير فعليه غضب من الله، أو فله عذاب شديد، ويدل عليهما قوله - تعالى - بعد ذلك { وَلَـٰكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ ٱللَّهِ }. والمعنى من كفر بالله - تعالى - من بعد إيمانه بوحدانيته - سبحانه - وبصدق رسوله صلى الله عليه وسلم فإنه بسبب هذا الكفر يكون قد ضل ضلالا بعيدا، يستحق من أجله العذاب المهين. وقوله { إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِٱلإِيمَانِ } استثناء متصل من الجملة السابقة أى إلا من أكره على النطق بكلمة الكفر، والحال أن قلبه مطمئن بالإِيمان، ثابت عليه، متمكن منه.. فإنه فى هذه الحالة لا يكون ممن يستحقون عقوبة المرتد. قال بعض العلماء وأما قوله { إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِٱلإِيمَانِ } فهو استثناء متصل من " مَنْ " لأن الكفر أعم من أن يكون اعتقادا فقط، أو قولا فقط، أو اعتقادا وقولا... وأصل الاطمئنان سكون بعد انزعاج، والمراد به هنا السكون والثبات على الإِيمان بعد الانزعاج الحاصل بسبب الإِكراه... وقوله { وَلَـٰكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } بيان لسوء مصير من استحب الكفر على الإِيمان باختياره ورضاه. و " من " فى قوله { من شرح } شرطية، وجوابها { فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ ٱللَّهِ }.

السابقالتالي
2 3