الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِذَا بَدَّلْنَآ آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوۤاْ إِنَّمَآ أَنتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } * { قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ ٱلْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِٱلْحَقِّ لِيُثَبِّتَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ } * { وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ ٱلَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ لاَ يَهْدِيهِمُ ٱللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { إِنَّمَا يَفْتَرِي ٱلْكَذِبَ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَأُوْلـٰئِكَ هُمُ ٱلْكَاذِبُونَ }

وقوله - تعالى - { وَإِذَا بَدَّلْنَآ آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ... } التبديل رفع الشئ مع وضع غيره مكانه. فتبديل الآية رفعها بآية أخرى. وجمهور المفسرين على أن المراد بالآية هنا الآية القرآنية. وعلى أن المراد بتبديلها نسخها. قال صاحب الكشاف تبديل الآية مكان الآية هو النسخ، والله - تعالى - ينسخ الشرائع بالشرائع لأنها مصالح، وما كان مصلحة بالأمس يجوز أن يكون مفسدة اليوم وخلافه مصلحة. والله - تعالى - عالم بالمصالح والمفاسد، فيثبت ما يشاء، وينسخ ما يشاء بحكمته... وقال الجمل قوله - تعالى - { وَإِذَا بَدَّلْنَآ آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ... } وذلك أن المشركين من أهل مكة قالوا إن محمدا صلى الله عليه وسلم يسخر بأصحابه، يأمرهم اليوم بأمر وينهاهم عنه غدا، ما هذا إلا مفترى يتقوله من تلقاء نفسه، فأنزل الله - تعالى - { وَإِذَا بَدَّلْنَآ آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ... } والمعنى وإذا نسخنا حكم آية فأبدلنا مكانه حكما آخر. وقال الآلوسى قوله - تعالى - { وَإِذَا بَدَّلْنَآ آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ } أى وإذا نزلنا آية من القرآن مكان آية منه. وجعلناها بدلا منها بأن نسخناها بها... ومنهم من يرى أن المراد بالآية هنا " الآية الكونية " أى المعجزة التى أتى بها كل نبى لقومه وأن المراد بتبديلها الإِتيان بمعجزة أخرى سواها. قال الشيخ القاسمى عند تفسيره لهذه الآية وذهب قوم إلى أن المعنى تبديل آية من آيات الأنبياء المتقدمين. كآية موسى وعيسى وغيرهما من الآيات الكونية الآفاقية، بآية أخرى نفسية علمية، وهى كون المنزل هدى ورحمة وبشارة يدركها العقل. فبدلت تلك - وهى الآيات الكونية - بآية هو كتاب العلم والهدى من نبى أمى صلى الله عليه وسلم. ويبدو لنا أن الرأى الأول أقرب إلى الصواب، لأن قوله - تعالى - بعد ذلك { قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ ٱلْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ... } يدل دلالة واضحة على أن المراد بالآية، الآية القرآنية. وقوله - سبحانه - { وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ } جملة معترضة بين الشرط وجوابه للمسارعة إلى توبيخ المشركين وتجهيلهم. أى والله - تعالى - أعلم من كل مخلوق بما هو أصلح لعباده، وبما ينزله من آيات، وبما يغير ويبدل من أحكام، فكل من الناسخ والمنسوخ منزل حسبما تقتضيه الحكمة والمصلحة،لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ } وقوله - تعالى - { قَالُوۤاْ إِنَّمَآ أَنتَ مُفْتَرٍ } جواب الشرط، وهو حكاية لما تفوهوا به من باطل وبهتان وقوله { مفتر } من الافتراء وهو أشنع أنواع الكذب. أى قال المشركون للنبى صلى الله عليه وسلم عند تبديل آية مكان آية إنما أنت يا محمد تختلق هذا القرآن من عند نفسك، وتفتريه من إنشائك واختراعك.

السابقالتالي
2 3 4