الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ وَإِنَّ ٱلسَّاعَةَ لآتِيَةٌ فَٱصْفَحِ ٱلصَّفْحَ ٱلْجَمِيلَ } * { إِنَّ رَبَّكَ هُوَ ٱلْخَلاَّقُ ٱلْعَلِيمُ } * { وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ ٱلْمَثَانِي وَٱلْقُرْآنَ ٱلْعَظِيمَ } * { لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَٱخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ } * { وَقُلْ إِنِّيۤ أَنَا ٱلنَّذِيرُ ٱلْمُبِينُ } * { كَمَآ أَنْزَلْنَا عَلَى ٱلْمُقْتَسِمِينَ } * { ٱلَّذِينَ جَعَلُواْ ٱلْقُرْآنَ عِضِينَ } * { فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ } * { عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { فَٱصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْمُشْرِكِينَ } * { إِنَّا كَفَيْنَاكَ ٱلْمُسْتَهْزِئِينَ } * { ٱلَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلـٰهاً آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ } * { وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ } * { فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِّنَ ٱلسَّاجِدِينَ } * { وَٱعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ ٱلْيَقِينُ }

فقوله - سبحانه - { وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ } توجيه للناس إلى التأمل فى مظاهر قدرة الله - تعالى -، وإلى الحق الأكبر الذى قام عليه هذا الوجود، بعد أن بين - سبحانه - قبل ذلك، سنته التى لا تتخلف، وهى أن حسن العاقبة للمتقين، وسوء المصير للمكذبين. والحق هو الأمر الثابت الذى تقتضيه عدالة الله - تعالى - وحكمته. والباء فيه للملابسة. أى وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما من كائنات لا يعلمها إلا الله، إلا خلقاً ملتبساً بالحق الذى لا يحوم حوله باطل، وبالعدل الذى لا يخالطه جور وبالحكمة التى تتنزه عن العبث، وتأبى استمرار الفساد، واستبقاء ضعف الحق أمام الباطل. والمراد بالساعة فى قوله - تعالى - { وَإِنَّ ٱلسَّاعَةَ لآتِيَةٌ } ساعة البعث والحساب والثواب والعقاب فى الآخرة. أى وإن ساعة إعطاء كل ذى حق حقه، ومعاقبة كل ذى باطل على باطله، لآتية لا ريب فيها، فمن فاته أخذ حقه فى الدنيا فسيأخذه وافيا غير منقوص فى الآخرة، ومن أفلت من عقوبة الدنيا فسينال ما هو أشد وأخزى منها فى يوم الحساب. فالجملة الكريمة انتقال من تهديد المجرمين بعذاب الدنيا، إلى تهديدهم بعذاب الآخرة، والمقصود من ذلك تسليته صلى الله عليه وسلم عما أصابه من المكذبين من أذى. وأكد - سبحانه - هذه الجملة بإن وبلام التوكيد، ليدل على أن الساعة آتية لا محالة، وليخرس ألسنة الذين ينكرون وقوعها وحدوثها... وجملة { فَٱصْفَحِ ٱلصَّفْحَ ٱلْجَمِيلَ } تفريع على ما قبلها. والصفح الجميل ترك المؤاخذة على الذنب، وإغضاء الطرف عن مرتكبه بدون معاتبة. أى ما دام الأمر كما ذكرنا لك أيها الرسول الكريم - من أن هذا الكون قد خلقناه بالحق، ومن أن الساعة آتية لا ريب فيها... فاصفح عن هؤلاء المكذبين لك صفحاً جميلاً، لا عتاب معه ولا حزن ولا غضب... حتى يحكم الله بينك وبينهم. وهذا التعبير فيه ما فيه من تسليته صلى الله عليه وسلم وتكريمه، لأنه - سبحانه - أمره بالصفح الجميل عن أعدائه، ومن شأن الذى يصفح عن غيره، أن يكون أقوى وأعز من هذا الغير - فكأنه - سبحانه - يقول له اصفح عنهم فعما قريب ستكون لك الكلمة العليا عليهم. وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى -فَٱصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلاَمٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ } وقوله - سبحانه -... فَٱعْفُواْ وَٱصْفَحُواْ حَتَّىٰ يَأْتِيَ ٱللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } وقوله - سبحانه - { إِنَّ رَبَّكَ هُوَ ٱلْخَلاَّقُ ٱلْعَلِيمُ } تعليل للأمر بالصفح الجميل عنهم. والخلاق والعليم صيغتا مبالغة من الخلق والعلم، للدلالة على كثرة خلقه، وشمول علمه.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9