الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ } * { وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُّقِيمٍ } * { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ } * { وَإِن كَانَ أَصْحَابُ ٱلأَيْكَةِ لَظَالِمِينَ } * { فَٱنتَقَمْنَا مِنْهُمْ وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُّبِينٍ } * { وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ ٱلحِجْرِ ٱلْمُرْسَلِينَ } * { وَآتَيْنَاهُمْ آيَاتِنَا فَكَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ } * { وَكَانُواْ يَنْحِتُونَ مِنَ ٱلْجِبَالِ بُيُوتاً آمِنِينَ } * { فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ } * { فَمَآ أَغْنَىٰ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ }

فاسم الإِشارة فى قوله - سبحانه - { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ } يعود إلى ما تضمنته القصة السابقة من عبر وعظات. والآيات جمع آية، والمراد بها هنا الأدلة والعلامات الدالة على ما يوصل إلى الحق والهداية. والمتوسمون جمع المتوسم، وهو المتأمل فى الأسباب وعواقبها، وفى المقدمات ونتائجها.. قال القرطبى ما ملخصه التوسم تفعل من الوسم، وهى العلامة التى يستدل بها على مطلوب غيره. يقال توسمت فى فلان الخير، إذا رأيت ميسم ذلك فيه، ومنه قول عبد الله ابن رواحة للنبى صلى الله عليه وسلم.
إنى توسمت فيك الخير أعرفه والله يعلم أنى ثابت البصر   
وأصل التوسم التثبت والتفكر، مأخوذ من الوسم وهو التأثير بحديدة فى جلد البعير وغيره.. وذلك يكون بجودة القريحة، وحدة الخاطر، وصفاء الفكر، وتطهير القلب من أدناس المعاصى. والمراد بالمتوسمين " المتفرسين، أو المتفكرين، أو المعتبرين، أو المتبصرين.. والمعنى متقارب.. ". والمعنى إن فى ذلك الذى سقناه فى قصتى إبراهيم ولوط - عليهما السلام - لأدلة واضحة على حسن عاقبة المؤمنين وسوء عاقبة الغاوين، لمن كان ذا فكر سليم، وبصيرة نافذة تتأمل فى حقائق الأشياء، وتتعرف على ما يوصلها إلى الهداية والطريق القويم. قال بعض العلماء عند تفسيره لهذه الآية هذه الآية أصل فى الفراسة. أخرج الترمذى من حديث أبى سعيد مرفوعاً " اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله " ثم قرأ صلى الله عليه وسلم هذه الآية... وقد أجاد الكلام فى الفراسة، الراغب الأصفهانى فى كتابه " الذريعة " حيث قال فى الباب السابع وأما الفراسة فالاستدلال بهيئة الإِنسان وأشكاله وألوانه وأقواله، على أخلاقه وفضائله ورذائله... وقد نبه - سبحانه - على صدقها بقوله { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ } وبقولهتَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ ٱلنَّاسَ إِلْحَافاً } وبقولهوَلَوْ نَشَآءُ لأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ ٱلْقَوْلِ } ولفظها مأخوذ من قولهم " فرس السبع الشاه " فكأن الفراسة اختلاف المعارف. وفى هذه الآية الكريمة تعريض لمن تمر عليهم العبر والعظات. والأدلة الدالة على وحدانية الله - تعالى -، وكمال قدرته... فلا يعتبرون ولا يتعظون ولا يتفكرون فيها، لانطماس بصيرتهم، واستيلاء الأهواء والشهوات على نفوسهم، كما قال - تعالى -وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِٱللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُّشْرِكُونَ } والضمير فى قوله - سبحانه - { وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُّقِيمٍ } يعود إلى المدينة أو القرى التى كان يسكنها قوم لوط - عليه السلام -. أى وإن هذه المساكن التى كان يسكنها هؤلاء المجرمون، لبطريق ثابت واضح يسلكه الناس، ويراه كل مجتاز له وهو فى سفره من الحجاز إلى الشام، كما قال - تعالى -

السابقالتالي
2 3 4