قال الآلوسى وقوله - تعالى - { فَلَمَّا جَآءَ آلَ لُوطٍ ٱلْمُرْسَلُونَ } شروع فى بيان إهلاك المجرمين، وتنجية آل لوط. ووضع الظاهر موضع الضمير، للإِيذان بأن مجيئهم لتحقيق ما أرسلوا به من ذلك. والآية الكريمة معطوفة على كلام محذوف يفهم من السياق، والتقدير وخرج الملائكة من عند إبراهيم - بعد أن بشروه بغلامه، وبعد أن أخبروه بوجهتهم - فاتجهوا إلى المدينة التى يسكنها لوط - عليه السلام - وقومه. فلما دخلوا عليه قال لهم { إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ }. أى إنكم قوم غير معروفين لى، لأنى لم يسبق لى أن رأيتكم، ولا أدرى من أى الأقوام أنتم، ولا أعرف الغرض الذى من أجله أتيتم، وإن نفسى ليساورها الخوف والقلق من وجودكم عندى... ويبدو أن لوطاً - عليه السلام - قد قال لهم هذا الكلام بضيق نفس، لأنه يعرف شذوذ المجرمين من قومه، ويخشى أن يعلموا بوجود هؤلاء الضيوف أصحاب الوجوه الجميلة عنده، فيعتدوا عليهم دون أن يملك الدفاع عنهم... وقد صرح القرآن الكريم بهذا الضيق النفسى، الذى اعترى لوطا بسبب وجود هؤلاء الضيوف عنده، ومن ذلك قوله - تعالى -{ وَلَمَّا جَآءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِيۤءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقَالَ هَـٰذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ } وقال - سبحانه - { فَلَمَّا جَآءَ آلَ لُوطٍ ٱلْمُرْسَلُونَ } مع أن المجئ كان للوط - عليه السلام - والخطاب كان معه، تشريفاً وتكريماً للمؤمنين من قوم لوط، فكأنهم كانوا حاضرين ومشاهدين لوجود الملائكة بينهم، ولما دار بينهم وبين لوط - عليه السلام -. وقوله - سبحانه - { قَالُواْ بَلْ جِئْنَاكَ بِمَا كَانُواْ فِيهِ يَمْتَرُونَ وَآتَيْنَاكَ بِٱلْحَقِّ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ }. حكاية لما رد به الملائكة على لوط، لكى يزيلوا ضيقه بهم، وكراهيته لوجودهم عنده. وقوله { يمترون } من الامتراء، وهو الشك الذى يدفع الإِنسان إلى المجادلة المبنية على الأوهام لا على الحقائق. وهو - كما يقول الإِمام الفخر الرازى - مأخوذ من قول العرب " مريت الناقة والشاة إذا أردت حلبها، فكأن الشاك يجتذب بشكه مراء، كاللبن الذى يجتذب عند الحلب. يقال قد مارى فلان فلانا، إذا جادله كأنه يستخرج غضبه ". أى قال الملائكة للوط لإِدخال الطمأنينة على نفسه يا لوط نحن ما جئنا لإِزعاجك أو إساءتك، وإنما جئناك بأمر كان المجرمون من قومك، يشكون فى وقوعه، وهو العذاب الذى كنت تحذرهم منه إذا ما استمروا فى كفرهم وفجورهم... وإنا ما أتيناك إلا بالأمر الثابت المحقق الذى لا مرية فيه ولا تردد، وهو إهلاك هؤلاء المجرمين من قومك، وإنا لصادقون فى كل ما قلناه لك، وأخبرناك به، فكن آمناً مطمئناً. فالإضراب فى قوله { قَالُواْ بَلْ جِئْنَاكَ.