الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي ٱلسَّمَاءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ } * { وَحَفِظْنَاهَا مِن كُلِّ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ } * { إِلاَّ مَنِ ٱسْتَرَقَ ٱلسَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُّبِينٌ } * { وَٱلأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ } * { وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَن لَّسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ } * { وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ } * { وَأَرْسَلْنَا ٱلرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَآ أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ } * { وَإنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ ٱلْوَارِثُونَ } * { وَلَقَدْ عَلِمْنَا ٱلْمُسْتَقْدِمِينَ مِنكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا ٱلْمُسْتَأْخِرِينَ } * { وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ }

قال الإِمام القرطبى ما ملخصه لما ذكر - سبحانه - كفر الكافرين، وعجز أصنامهم، ذكر كمال قدرته ليستدل بها على وحدانيته. والبروج القصور والمنازل. قال ابن عباس. أى جعلنا فى السماء بروج الشمس والقمر، أى منازلهما. وأسماء هذه البروج الحمل والثور والجوزاء والسرطان، والأسد، والسنبلة، والميزان، والعقرب، والقوس، والجدى، والدلو، والحوت. والعرب تعد المعرفة لمواقع النجوم وأبوابها من أجل العلوم، ويستدلون بها على الطرقات والأوقات والخصب والجدب... وقال الحسن وقتادة البروج النجوم، وسميت بذلك لظهورها وارتفاعها... وقيل البروج الكواكب العظام.... قال بعض العلماء ومرجع الأقوال كلها إلى شئ واحد، لأن أصل البروج فى اللغة الظهور، ومنه تبرج المرأة، بإظهار زينتها، فالكواكب ظاهرة، والقصور ظاهرة، ومنازل الشمس والقمر كالقصور بجامع أن الكل محل ينزل فيه... و { جعلنا } أى خلقنا وأبدعنا، فيكون قوله { فى السماء } متعلقاً به، وجوز أن يكون بمعنى التصيير، فيكون قوله. فى السماء. متعلقاً بمحذوف على أنه مفعول ثان له و { بروجاً } هو المفعول الأول. أى ولقد خلقنا وأبدعنا منازل وطرقا فى السماء، تسير فيها الكواكب بقدراتنا، وإرادتنا، وحكمتنا، دون خلل أو اضطراب. وفى ذلك الخلق ما فيه من منافع لكم، حيث تستعملون هذه البروج فى ضبط المواقيت وفى تحديد الجهات، وفى غير ذلك من المنافع، كما قال - تعالى -هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ ٱلشَّمْسَ ضِيَآءً وَٱلْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ ٱلسِّنِينَ وَٱلْحِسَابَ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ ذٰلِكَ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ يُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } وافتتح - سبحانه - الآية الكريمة بلام القسم وقد، تنزيلاً للمخاطبين الذاهلين عن الالتفات إلى مظاهر قدرة الله - تعالى - منزلة المنكرين، فأكد لهم الكلام بمؤكدين لينتبهوا ويعتبروا. والضمير فى قوله { وزيناها... } يعود إلى السماء. أى وزينا السماء بتلك البروج المختلفة الأشكال والأضواء، لتكون جميلة فى عيون الناظرين إليها، وآية للمتفكرين فى دلائل قدرة الله - تعالى - وبديع صنعه. وهذه الجملة الكريمة، تلفت الأنظار إلى أن الجمال غاية مقصودة فى خلق هذا الكون، كما تشعر المؤمنين بأن من الواجب عليهم أن يجعلوا حياتهم مبنية على الجمال فى الظاهر وفى الباطن، تأسيا بسنة الله - تعالى - فى خلق هذا الكون. ثم وضح - سبحانه - بأن هذا التزيين للسماء، مقرون بالحفظ والصيانة والطهارة من كل رجس فقال - تعالى - { وَحَفِظْنَاهَا مِن كُلِّ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ }. والمراد بالشيطان هنا المتمرد من الجن، مشتق من شطن بمعنى بعد، إذ الشيطان بعيد بطبعه عن كل خير. والرجيم، أى المرجوم المحقر، مأخوذ من الرجم، لأن العرب كانوا إذا احتقروا أحداً رجموه بالقطع من الحجارة، وقد كان العرب يرجمون قبر أبى رغال الثقفى، الذى أرشد جيش الحبشة إلى مكة لهدم الكعبة.

السابقالتالي
2 3 4 5 6