الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ ٱلظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ ٱلأَبْصَارُ } * { مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَآءٌ } * { وَأَنذِرِ ٱلنَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ ٱلْعَذَابُ فَيَقُولُ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ رَبَّنَآ أَخِّرْنَآ إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ ٱلرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوۤاْ أَقْسَمْتُمْ مِّن قَبْلُ مَا لَكُمْ مِّن زَوَالٍ } * { وَسَكَنتُمْ فِي مَسَـٰكِنِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ ٱلأَمْثَالَ } * { وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِندَ ٱللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ ٱلْجِبَالُ } * { فَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ ذُو ٱنْتِقَامٍ } * { يَوْمَ تُبَدَّلُ ٱلأَرْضُ غَيْرَ ٱلأَرْضِ وَٱلسَّمَٰوَٰتُ وَبَرَزُواْ لِلَّهِ ٱلْوَاحِدِ الْقَهَّارِ } * { وَتَرَى ٱلْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي ٱلأَصْفَادِ } * { سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَىٰ وُجُوهَهُمُ ٱلنَّارُ } * { لِيَجْزِىَ ٱللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } * { هَـٰذَا بَلاَغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُواْ بِهِ وَلِيَعْلَمُوۤاْ أَنَّمَا هُوَ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ }

قال الإِمام القرطبى " قوله - تعالى - { وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ ٱلظَّالِمُونَ... } هذا تسلية للنبى - صلى الله عليه وسلم - بعد أن عجبه من أفعال المشركين، ومخالفتهم دين إبراهيم، أى اصبر كما صبر إبراهيم، وأعلم المشركين أن تأخير العذاب ليس للرضا بأفعالهم، بل سنة الله إمهال العصاة مدة. قال ميمون بن مهران هذا وعيد للظالم. وتعزية للمظلوم ". والخطاب { وَلاَ تَحْسَبَنَّ } ، يجوز أن يكون للنبى - صلى الله عليه وسلم - لقصد زيادة تثبيته على الحق، ودوامه على ذلك، ويجوز أن يكون لكل من يصلح للخطاب. والغفلة سهر يعترى الإِنسان بسبب قلة تيقظه وانتباهه، ولا شك أن ذلك محال فى حق الله - تعالى -، لذا وجب حمل المعنى على أن المراد بالغفلة هنا ترك عقاب المجرمين. والمراد بالظالمين كل من انحرفوا عن طريق الحق، واتبعوا طريق الباطل، ويدخل فيهم دخولا أوليا مشركو مكة، الذين أبوا الدخول فى الإِسلام الذى جاءهم به النبى - صلى الله عليه وسلم -. وقوله { إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ ٱلأَبْصَارُ } استئناف وقع تعليلا للنهى السابق. وقوله { تشخيص } من الشخوص بمعنى رفع البصر بدون تحرك يقال شخص بصر فلان - من باب خضع - فهو شاخص، إذا فتح عينيه وجعل لا يطرف من شدة الخوف والفزع. والمعنى ولا تحسبن - أيها الرسول الكريم - أن الله تعالى - تارك عقاب هؤلاء الظالمين، الذين كذبوك فى دعوتك، كلا لن يترك الله - تعالى - عقابهم، وإنما يؤخره ليوم هائل شديد، هو يوم القيامة الذى ترتفع فيه أبصار أهل الموقف، فلا تطرف أجفانهم من هول ما يرونه. ثم بين - سبحانه - بعض أحوال هؤلاء الظالمين فى هذا اليوم العظيم فقال - تعالى - { مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَآءٌ }. والإِهطاع السير السريع. يقال أهطع فلان فى مشيه فهو يهطع إهطاعا إذا أسرع فى سيره بذلة واضطراب. و { مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ } أى رافعيها، يقال أهطع فلان رأسه، إذا نصبه ورفعه دون أن يلتفت يمينا أو شمالا. وقيل، إقناع الرءوس طأطأتها وانتكاسها. الأفئدة جمع فؤاد، والمراد بها القلوب. والمعنى أن هؤلاء الظالمين يخرجون من قبورهم فى هذا اليوم مسرعين إلى الداعى بذلة واستكانة، كإسراع الأسير الخائف، رافعى رءوسهم إلى السماء مع إدامة النظر بأبصارهم إلى ما بين أيديهم من غير التفات إلى شئ. { لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ } أى لا تتحرك أجفان عيونهم، بل تبقى مفتوحة بدون حراك لهول ما يشاهدونه فى هذا اليوم العصيب. { وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَآءٌ } أى وقلوبهم فارغة خالية عن الفهم، بحيث لا تعى شيئا من شدة الفزع والدهشة، ومنه قولهم فى شأن الأحمق والجبان قلبهما هواء، أى لا رأى فيه ولا قوة.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7