الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ ٱجْعَلْ هَـٰذَا ٱلْبَلَدَ ءَامِناً وَٱجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ ٱلأَصْنَامَ } * { رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِّنَ ٱلنَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { رَّبَّنَآ إِنَّيۤ أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ ٱلْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ فَٱجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ ٱلنَّاسِ تَهْوِىۤ إِلَيْهِمْ وَٱرْزُقْهُمْ مِّنَ ٱلثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ } * { رَبَّنَآ إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَىٰ عَلَى ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ فَي ٱلأَرْضِ وَلاَ فِي ٱلسَّمَآءِ } * { ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى ٱلْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ ٱلدُّعَآءِ } * { رَبِّ ٱجْعَلْنِي مُقِيمَ ٱلصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَآءِ } * { رَبَّنَا ٱغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ ٱلْحِسَابُ }

هذه بعض الدعوات التى ابتهل بها إبراهيم - عليه السلام - إلى ربه، وقد تقبلها الله - تعالى - منه قبولا حسنا. وفى هذه الدعوات تنبيه لمشركى مكة الذين بدلوا نعمة الله كفرا، والذين جحدوا نعم الله عليهم، بأن من الواجب عليهم أن يثوبوا إلى رشدهم، وأن يستجيبوا لدعوة الحق، وأن يقتدوا بإبراهيم - عليه السلام - فى إيمانه وشكره لخالقه - سبحانه -. و " إذ " ظرف لما مضى من الزمان، وهو منصوب على المفعولية لفعل محذوف. و " رب " منادى بحرف نداء محذوف أى يا رب. والمراد بالبلد مكة المكرمة شرفها الله - تعالى -. والمعنى واذكر - أيها العاقل - وقت أن قال إبراهيم مناديا ربه يا رب اجعل هذا البلد ذا أمن وسلام واستقرار. وقدم إبراهيم - عليه السلام - فى دعائه نعمة الأمن على غيرها - لأنها أعظم أنواع النعم، ولأنها إذا فقدها الإِنسان، اضطرب فكره، وصعب عليه أن يتفرغ لأمور الدين أو الدنيا بنفس مطمئنة، وبقلب خال من المنغصات والمزعجات. قال الإِمام الرازى " سئل بعض العلماء الأمن أفضل أم الصحة؟ فقال الأمن أفضل، والدليل عليه أن شاة لو انكسرت رجلها فإنها تصح بعد زمان، ولا يمنعها هذا الكسر من الإِقبال على الرعى والأكل والشرب. ولو أنها ربطت - وهى سليمة - فى موضع، وربط بالقرب منها ذئب، فإنها تمسك عن الأكل والشرب، وقد تستمر على ذلك إلى أن تموت. وذلك يدل على أن الضرر الحاصل من الخوف، أشد من الضرر الحاصل من ألم الجسد. وقال الإِمام ابن كثير ما ملخصه " يذكر الله - تعالى - فى هذا المقام - محتجا على مشركى مكة الذين كانوا يزعمون أنهم على ملة إبراهيم - بأن مكة إنما وضعت أول ما وضعت على عبادة الله - تعالى - وحده، وأن إبراهيم قد تبرأ ممن عبد غير الله، وأنه دعا لمكة بالأمن وقد استجاب الله له فقال - تعالى -أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ ٱلنَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ.. } وقال - تعالى -إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ. فِيهِ آيَاتٌ بَيِّـنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً.. } وقال صاحب الكشاف " فإن قلت أى فرق بين قوله - تعالى - فى سورة البقرةرَبِّ ٱجْعَلْ هَـٰذَا بَلَداً آمِناً.. } وبين قوله هنا { رَبِّ ٱجْعَلْ هَـٰذَا ٱلْبَلَدَ آمِناً... }. قلت قد سأل فى الأول أن يجعله من جملة البلاد التى يأمن أهلها ولا يخافون، وسأل فى الثانى أن يخرجه من صفة كان عليها من الخوف إلى ضدها من الأمن، كأنه قال هو بلد مخوف فاجعله آمنا.

السابقالتالي
2 3 4 5 6