الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ الۤر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ ٱلنَّاسَ مِنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَىٰ صِرَاطِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَمِيدِ } * { ٱللَّهِ ٱلَّذِي لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَوَيْلٌ لِّلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ } * { ٱلَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا عَلَى ٱلآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً أُوْلَـٰئِكَ فِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ } * { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ ٱللَّهُ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ }

سورة إبراهيم - عليه السلام - من السور القرآنية التى افتتحت بحرف من الحروف المقطعة وهو قوله - تعالى - { الۤر }. وقد سبق أن ذكرنا آراء العلماء فى هذه الحروف عند تفسيرنا لسور آل عمران، والأعراف، ويونس، وهود، ويوسف، والرعد. وقلنا ما خلاصته لعل أقرب الأقوال إلى الصواب، أن هذه الحروف المقطعة، قد وردت فى افتتاح بعض سور القرآن، على سبيل الإِيقاظ والتنبيه للذين تحداهم القرآن. فكأن الله - تعالى - يقول لأولئك المعاندين والمعارضين فى أن القرآن من عند الله. هاكم القرآن ترونه مؤلفا من كلام هو من جنس ما تؤلفون منه كلامكم، ومنظوما من حروف هى من جنس الحروف الهجائية التى تنظمون منها حروفكم، فإن كنتم فى شك من كونه منزلا من عند الله فهاتوا مثله، وادعوا من شئتم من الخلق لكى يعاونكم فى ذلك، فإن لم تستطيعوا فهاتوا عشر سور من مثله، فإن عجزتم فهاتوا سورة واحدة من مثله. قال - تعالى -وَإِن كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَٱدْعُواْ شُهَدَآءَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } وقوله { كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ ٱلنَّاسَ مِنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَىٰ صِرَاطِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَمِيدِ } تنويه بشأن القرآن الكريم، وبيان للغرض السامى الذى أنزله الله - تعالى - من أجله. والظلمات جمع ظلمة، والمراد بها الكفر والضلال، والمراد بالنور الإِيمان والهداية. والباء فى { بِإِذْنِ رَبِّهِمْ } للسببية، والجار والمجرور متعلق بقوله { لِتُخْرِجَ }. والصراط الجادة والطريق، من سرط الشئ إذا ابتلعه، وسمى الطريق بذلك، لأنه يبتلع المارين فيه، وأبدلت سينه صادا على لغة قريش. والمعنى هذا كتاب جليل الشأن، عظيم القدر، أنزلناه إليك يا محمد، لكى تخرج الناس من ظلمات الكفر والجهالة والضلال، إلى نور الإِيمان والعلم والهداية وهذا الإِخراج إنما هو بإذن ربهم ومشيئته وإرادته وأمره. وقوله { إِلَىٰ صِرَاطِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَمِيدِ } بدل من قوله { إِلَى ٱلنُّورِ }. أى لتخرج الناس من ظلمات الكفر والضلال إلى طريق الله { ٱلْعَزِيزِ } أى الذى يَغلب ولا يُغلب { ٱلْحَمِيدِ } أى المحمود بكل لسان. وأسند - سبحانه - الإِخراج إلى النبى صلى الله عليه وسلم باعتباره المبلغ لهذا الكتاب المشتمل على الهداية التى تنقل الناس من الكفر إلى الإِيمان، ومن الجهالة إلى الهداية وشبه الكفر بالظلمات - كما يقول الإِمام الرازى -، لأنه ما يتحير الرجل فيه عن طريق الهداية، وشبه الإِيمان بالنور، لأنه نهاية ما ينجلى به طريق هدايته ". وفى جمع " الظلمات " وإفراد " النور " إشارة إلى أن للكفر طرقا كثيرة، وأما الإِيمان فطريق واحد. وقوله - سبحانه - { بِإِذْنِ رَبِّهِمْ } احتراس لبيان أن نقل الناس من حال إلى حال إنما هو بإرادة الله - تعالى - ومشيئته، وأن الرسول ما هو إلا مبلغ فقط، أما الهداية فمن الله وحده.

السابقالتالي
2 3 4