الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ مَّثَلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ ٱشْتَدَّتْ بِهِ ٱلرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لاَّ يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُواْ عَلَىٰ شَيْءٍ ذٰلِكَ هُوَ ٱلضَّلاَلُ ٱلْبَعِيدُ } * { أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحقِّ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ } * { وَمَا ذٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ بِعَزِيزٍ } * { وَبَرَزُواْ لِلَّهِ جَمِيعاً فَقَالَ ٱلضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُوۤاْ إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُمْ مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ قَالُواْ لَوْ هَدَانَا ٱللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَآءٌ عَلَيْنَآ أَجَزِعْنَآ أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ } * { وَقَالَ ٱلشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ ٱلأَمْرُ إِنَّ ٱللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ ٱلْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَٱسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُوۤاْ أَنفُسَكُمْ مَّآ أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَآ أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ ٱلظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { وَأُدْخِلَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ }

قال الإِمام الرازى " اعلم أنه - تعالى - لما ذكر أنواع عذابهم فى الآية المتقدمة، بين فى هذه الآية وهى قوله - تعالى - { مَّثَلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ... } أن أعمالهم بأسرها ضائعة باطلة، لا ينتفعون بشئ منها. وعند هذا يظهر كمال خسرانهم، لأنهم لا يجدون فى القيامة إلا العقاب الشديد وكل ما عملوه فى الدنيا وجدوه ضائعاً باطلاً ". والمثل النظير والشبيه. ثم أطلق على القول السائر المعروف، لمماثلة مضربه بمورده، ولا يكون إلا فيما فيه غرابة، ثم استعير للصفة، أو الحال، أو القصة إذا كان لها شأن عجيب، وفيها غرابة. والمراد بأعمال الذين كفروا فى الآية الكريمة ما كانوا يقومون به فى الدنيا من أعمال حسنة كإطعام الطعام، ومساعدة المحتاجين، وإكرام الضيف، إلى غير ذلك من الأعمال الطيبة. والرماد ما يتبقى من الشئ بعد احتراق أصله، كالمتبقى من الخشب أو الحطب بعد احتراقهما. والعاصف من العصف وهو اشتداد الريح، وقوة هبوبها. قال الجمل " وقوله { مَّثَلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ... } فيه أوجه للإِعراب أحدها وهو مذهب سيبويه أنه مبتدأ محذوف الخبر تقديره فيما يتلى عليكم مثل الذين كفروا، وتكون الجملة من قوله { أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ... } مستأنفة جواب لسؤال مقدر، كأنه قيل كيف مثلهم..؟ فقيل كيت وكيت. والثانى أن يكون " مثل " مبتدأ و " أعمالهم " مبتدأ ثان، و " كرماد " خبر المبتدأ الثانى، والمبتدأ الثانى وخبره خبر المبتدأ الأول... ". والمعنى حال أعمال الذين كفروا فى حبوطها وذهابها وعدم انتفاعهم بشئ منها فى الآخرة، كحال الرماد المكدس الذى أتت عليه الرياح العاصفة، فمحقته وبددته، ومزقته تمزيقاً لا يجرى معه اجتماع. فالآية الكريمة تشبيه بليغ لما يعمله الكافرون فى الدنيا من أعمال البر والخير. ووجه الشبه الضياع والتفرق وعدم الانتفاع فى كل، فكما أن الريح العاصف تجعل الرماد هباء منثورا، فكذلك أعمال الكافرين فى الآخرة تصير هباء منثوراً، لأنها أعمال بنيت على غير أساس من الإِيمان وإخلاص العبادة لله - تعالى -. ووصف - سبحانه - اليوم بأنه عاصف - مع أن العصف شدة الريح - للمبالغة فى وصف زمانها - وهو اليوم - بذلك كما يقال يوم حار ويوم بارد، مع أن الحر والبرد فيهما وليس منهما. وقوله - سبحانه - { لاَّ يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُواْ عَلَىٰ شَيْءٍ } بيان للمقصود من التشبيه، وهو أن هؤلاء الكافرين، لا يقدرون يوم القيامة، على الانتفاع بشئ مما فعلوه فى الدنيا من أفعال البر والخير، لأن كفرهم أحبطها فذهب سدى دون أن يستفيدوا منها ثواباً، أو تخفف عنهم عذاباً. قال الآلوسى وفى الصحيح " عن عائشة - رضى الله عنها - أنها قالت يا رسول الله. إن ابن جدعان فى الجاهلية كان يصل الرحم، ويطعم المسكين، هل ذلك نافعه؟ قال " لا ينفعه لأنه لم يقل رب اغفر لى خطيئتى يوم الدين " ".

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7