الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّـكُمْ مِّنْ أَرْضِنَآ أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ ٱلظَّالِمِينَ } * { وَلَنُسْكِنَنَّـكُمُ ٱلأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ ذٰلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ } * { وَٱسْتَفْتَحُواْ وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ } * { مِّن وَرَآئِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَىٰ مِن مَّآءٍ صَدِيدٍ } * { يَتَجَرَّعُهُ وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ ٱلْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِن وَرَآئِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ }

فقوله - سبحانه - { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّـكُمْ مِّنْ أَرْضِنَآ أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا... } حكاية لما هدد به رءوس الكفر رسلهم، بعد أن أفحمهم الرسل بالحجة البالغة، وبالمنطق الحكيم. واللام فى { لَنُخْرِجَنَّـكُمْ } هى الموطئة للقسم. و " أو " للتخيير بين الأمرين. أى وقال الذين عتوا فى الكفر - على سبيل التهديد - لرسلهم، الذين جاءوا لهدايتهم، والله لنخرجنكم - أيها الرسل - من أرضنا، أو لتعودن فى ديننا وملتنا. قال الإِمام الرازى " اعلم أنه - تعالى - لما حكى عن الأنبياء - عليهم السلام - أنهم قد اكتفوا فى دفع شرور أعدائهم بالتوكل عليه، والاعتماد على حفظه وحياطته، حكى عن الكفار أنهم بالغوا فى السفاهة وقالوا للأنبياء ولنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن فى ملتنا ". والمعنى ليكونن أحد الأمرين لا محالة، إما إخراجكم وإما عودكم إلى ملتنا. والسبب فيه أن أهل الحق فى كل زمان يكونون قليلين. وأهل الباطل يكونون كثيرين والظلمة والفسقة يكونون متعاونين متعاضدين، فلهذه الأسباب قدروا على هذه السفاهة. والتعبير بقوله - سبحانه - { أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا } يفيد بظاهره أن الرسل كانوا على ملة الكافرين ثم تركوها، فإن العود معناه الرجوع إلى الشئ بعد مفارقته. وهذا محال، فإن الأنبياء معصومون - حتى قبل النبوة - عن ارتكاب الكبائر، فضلاً عن الشرك. وقد أجيب عن ذلك بإجابات منها أن الخطاب وإن كان فى الظاهر مع الرسل، إلا أن المقصود به أتباعهم المؤمنون، الذين كانوا قبل الإِيمان بالرسل على دين أقوامهم، فكأنهم يقولون لهؤلاء الاتباع لقد كنتم على ملتنا ثم تركتموها، فإما أن تعودوا إليها وإما أن تخرجوا من ديارنا، إلا أن رءوس الكفر وجهوا الخطاب إلى الرسل من باب التغليب. ومنها أن العود هنا بمعنى الصيرورة، إذ كثيراً ما يرد " عاد " بمعنى صار، فيعمل عمل كان، ولا يستدعى الرجوع إلى حالة سابقة، بل يستدعى الانتقال من حال سابقة إلى حال جديدة مستأنفة، فيكون المعنى لنخرجنكم من أرضنا أو لتصيرن كفاراً مثلنا. ومنها أن هذا القول من الكفار جار على توهمهم وظنهم، أن الرسل كانت قبل دعوى النبوة على ملتهم، لسكوتهم قبل البعثة عن الإِنكار عليهم، فلهذا التوهم قالوا ما قالوا، وهم كاذبون فيما قالوه. وشبيه بهذه الآية قول قوم شعيب - عليه السلام - لهلَنُخْرِجَنَّكَ يٰشُعَيْبُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَآ أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا... } وقول قوم لوط لهأَخْرِجُوۤاْ آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ } وقوله - سبحانه - { فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ ٱلظَّالِمِينَ. وَلَنُسْكِنَنَّـكُمُ ٱلأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ.. } بشارة عظيمة من الله - تعالى - لرسله، ووعد لهم بالنصر على أعدائهم.

السابقالتالي
2 3 4