الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ الۤمۤر تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ وَٱلَّذِيۤ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ٱلْحَقُّ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ } * { ٱللَّهُ ٱلَّذِي رَفَعَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ وَسَخَّرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّـى يُدَبِّرُ ٱلأَمْرَ يُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَآءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ } * { وَهُوَ ٱلَّذِي مَدَّ ٱلأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِىَ وَأَنْهَاراً وَمِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ ٱثْنَيْنِ يُغْشِى ٱلَّيلَ ٱلنَّهَارَ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } * { وَفِي ٱلأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَىٰ بِمَآءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَىٰ بَعْضٍ فِي ٱلأُكُلِ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }

لقد افتتحت سورة الرعد ببعض الحروف المقطعة، وقد سبق أن تكلمنا عن آراء العلماء فى هذه الحروف فى سور البقرة، وآل عمران، والأعراف، ويونس، وهود، ويوسف. وقلنا ما ملخصه إن أقرب الأقوال إلى الصواب، أن هذه الحروف المقطعة، قد وردت فى افتتاح بعض السور على سبيل الإِيقاظ والتنبيه إلى إعجاز القرآن. فكأن الله - تعالى - يقول لأولئك المعارضين فى أن القرآن من عند الله هاكم القرآن ترونه مؤلفاً من كلام هو من جنس ما تؤلفون من كلامكم، ومنظوماً من حروف هى من جنس الحروف الجهائية التى تنظمون منها كلماتكم. فإن كنتم فى شك من كونه منزلاً من عند الله فهاتوا مثله، وادعوا من شئتم من الخلق لكى يعاونكم فى ذلك، فإن لم تستطيعوا أن تأتوا بمثله فهاتوا عشر سور من مثله، فإن لم تستطيعوا فهاتوا سورة واحدة من مثله.. ومع كل هذا التساهل معهم فى التحدى، فقد عجزوا وانقلبوا خاسرين، فثبت بذلك أن هذا القرآن من عند الله - تعالى -. { تلك } اسم إِشارة، والمشار إليه الآيات، والمراد بها آيات القرآن الكريم، ويدخل فيها آيات السورة التى معنا. والمراد بالكتاب القرآن الكريم الذى أنزله - سبحانه - على نبيه - صلى الله عليه وسلم - لإِخراج الناس من ظلمات الجاهلية إلى نور الإِسلام. وقوله { وَٱلَّذِيۤ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ٱلْحَقُّ } تنويه بشأن القرآن الكريم، ورد على المشركين الذين زعموا أنه أساطير الأولين. أى تلك الآيات التى نقرؤها عليك - يا محمد - فى هذه السورة هى آيات الكتاب الكريم، وما أنزله الله - تعالى - عليك فى هذا الكتاب، هو الحق الخالص الذى لا يلتبس به باطل، ولا يحوم حول صحته شك أو التباس. وفى قوله - سبحانه - { مِن رَّبِّكَ } مزيد من التلطف فى الخطاب معه - صلى الله عليه وسلم - فكأنه - سبحانه - يقول له إن ما نزل عليك من قرآن هو من عند ربك الذى تعهدك بالرعاية والتربية حتى بلغت درجة الكمال. واسم الموصول { الذى } مبتدأ، والجملة بعده صلة، والحق هو الخبر... وقوله { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ } استدراك لبيان موقف أكثر الناس من هذا القرآن الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. أى لقد أنزلنا عليك يا محمد هذا القرآن بالحق، ولكن أكثر الناس لا يؤمنون به لانطماس بصائرهم، واستيلاء العناد على نفوسهم... وفى هذا الاستدراك، مدح لتلك القلة المؤمنة من الناس، وهم أولئك الذين فتحوا قلوبهم للحق منذ أن وصل إليهم، فآمنوا به، واعتصموا بحبله، ودافعوا عنه بأموالهم وأنفسهم وعلى رأس هذه القلة التى آمنت بالحق منذ أن بلغها أبو بكر الصديق وغيره من السابقين إلى الإِسلام.

السابقالتالي
2 3 4 5