الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلَقَدِ ٱسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ } * { أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ عَلَىٰ كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَجَعَلُواْ لِلَّهِ شُرَكَآءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي ٱلأَرْضِ أَم بِظَاهِرٍ مِّنَ ٱلْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ مَكْرُهُمْ وَصُدُّواْ عَنِ ٱلسَّبِيلِ وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ } * { لَّهُمْ عَذَابٌ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَلَعَذَابُ ٱلآخِرَةِ أَشَقُّ وَمَا لَهُم مِّنَ ٱللَّهِ مِن وَاقٍ } * { مَّثَلُ ٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِي وُعِدَ ٱلْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَآئِمٌ وِظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَىٰ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ وَّعُقْبَى ٱلْكَافِرِينَ ٱلنَّارُ }

وقوله - سبحانه - { وَلَقَدِ ٱسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ.... } تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم - عما أصابه من حزن بسبب تعنت المشركين معه. ومطالبتهم له بالمطالب السخيفة التى لا صلة لها بدعوته، كطلبهم منه تسيير الجبال وتقطيع الأرض، وتكليم الموتى. والاستهزاء المبالغة فى السخرية والتهكم من المستهزَأ به. والإِملاء الإِمهال والترك لمدة من الزمان. والتنكير فى قوله { برسل } للتكثير، فقد استهزأ قوم نوح به، وكانوا كلما مروا عليه وهو يصنع السفينة سخروا منه. واستهزأ قوم شعيب به وقالوا لهفَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ } واستهزأ قوم هود به وقالوا لهإِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ... } واستهزأ فرعون بموسى فقالأَمْ أَنَآ خَيْرٌ مِّنْ هَـٰذَا ٱلَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ } والمعنى ولقد استهزأ الطغاة والجاحدون برسل كثيرين من قبلك -أيها الرسول الكريم - { فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ } أى فأمهلتهم وتركتهم مدة من الزمان فى أمن ودعة. { ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ } أخذ عزيز مقتدر { فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ } فانظر كيف كان عقابى إياهم، لقد كان عقابا رادعا دمرهم تدميرا. فالاستفهام للتعجيب مما حل بهم، والتهويل من شدته وفظاعته وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى -وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ ٱلْمَصِيرُ } قال ابن كثير وفى الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " وإن الله ليملى للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، ثم قرأ صلى الله عليه وسلم { وَكَذٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ ٱلْقُرَىٰ وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ } ". ثم أقام - سبحانه - الأدلة الساطعة على وحدانيته وعلى وجوب إخلاص العبادة له - تعالى - فقال { أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ عَلَىٰ كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ... }. والمراد بالقيام هنا الحفظ والهيمنة على جميع شئون الخلق والاستفهام للإِنكار، والخبر محذوف والتقدير { أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ } أى رقيب ومهيمن { عَلَىٰ كُلِّ نَفْسٍ } كائنة ما كانت، عالم بما تعمله من خير أو شر فمجازيها به كمن ليس كذلك؟ وحذف الخبر هنا وهو قولنا - كمن ليس كذلك - لدلالة السياق عليه، كما فى قوله - تعالى -أَفَمَن شَرَحَ ٱللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ } أى كمن قسا قلبه. وحسن حذف الخبر هنا لأنه مقابل للمبتدأ هو { من } ولأن قوله - تعالى - { وَجَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَآءَ } يدل عليه. والمقصود من الآية الكريمة إنكار المماثلة بين الخالق العظيم، العليم بأحوال النفوس... وبين تلك الأصنام التى أشركوها مع الله - تعالى - فى العبادة والتى هى لا تسمع ولا تبصر، ولا تملك لنفسها - فضلا عن غيرها - نفعا ولا ضرا. وجملة { وَجَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَآءَ } حالية، والتقدير أفمن هذه صفاته، وهو الله - تعالى - كمن ليس كذلك، والحال أن هؤلاء الأغبياء قد جعلوا له شركاء فى العبادة وغيرها.

السابقالتالي
2 3 4