الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ ٱلْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَىٰ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ } * { ٱلَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ ٱللَّهِ وَلاَ يَنقُضُونَ ٱلْمِيثَاقَ } * { وَٱلَّذِينَ يَصِلُونَ مَآ أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ } * { وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ٱبْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ وَأَنْفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِٱلْحَسَنَةِ ٱلسَّيِّئَةَ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عُقْبَىٰ ٱلدَّارِ } * { جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ } * { سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَىٰ ٱلدَّارِ } * { وَٱلَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ ٱللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي ٱلأَرْضِ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمُ ٱللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوۤءُ ٱلدَّارِ } * { ٱللَّهُ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَنْ يَشَآءُ وَيَقَدِرُ وَفَرِحُواْ بِٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَمَا ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا فِي ٱلآخِرَةِ إِلاَّ مَتَاعٌ }

قال الإمام الرازى " قوله - تعالى - { أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ ٱلْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَىٰ... } إشارة إلى المثل المتقدم ذكره - فى قوله - تعالى -أَنْزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاءِ مَآءً } وهو أن العالم بالشئ كالبصير، والجاهل به كالأعمى، وليس أحدهما كالآخر، لأن الأعمى إذا أخذ يمشى من غير قائد، فربما يقع فى المهالك.. أما البصير فإنه يكون آمنا من الهلاك والإِهلاك ". والمراد بالأعمى هنا الكافر الذى انطمست بصيرته، فأصبح لا يفرق بين الحق والباطل. والاستفهام للانكار والاستبعاد. المعنى أفمن يعلم أن ما أنزل إليك - أيها الرسول الكريم - من وحى هو الحق الذى يهدى للتى هى أقوم، كمن هو أعمى القلب مطموس البصيرة؟؟ فالآية الكريمة تنفى بأبلغ أسلوب، مساواة الذين علموا الحق فاتبعوه، بمن جهلوه وأعرضوا عنه، وصموا آذانهم عن سماعه. وقوله { إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ } مدح لأصحاب العقول السليمة، الذين ذكروا بالحق فتذكروه، وآمنوا به، وتعليل لإِعراض الكافرين عنه، ببيان أن سبب إعراضهم، أنهم ليسوا أهلا للتذكر، لأن التذكر إنما هو من شأن أولى الألباب. والألباب جمع لب وهو الخالص من كل شئ. أى إنما يتذكر وينتفع بالتذكير، أصحاب العقول السليمة وهم المؤمنون الصادقون. ثم مدح - سبحانه - أصحاب هذه العقول السليمة، بجملة من الخصال الكريمة فقال { ٱلَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ ٱللَّهِ وَلاَ يَنقُضُونَ ٱلْمِيثَاقَ }. وعهد الله فرائضه وأوامره ونواهيه. والوفاء بها يتأتى باتباع ما أمر به - سبحانه - باجتناب ما نهى عنه. وينقضون من النقض، بمعنى الفسخ والحل لما كان مركبا أو موصولا. والميثاق العهد الموثق باليمين، للتقوية والتأكيد. أى إنما يتذكر أولوا الألباب، الذين من صفاتهم أنهم يوقنون بعهد الله - تعالى -، بأن يؤدوا كل ما كلفهم بأدائه، ويجتنبوا كل ما أمرهم باجتنابه ولا ينقضون شيئا من العهود والمواثيق التى التزموا بها. وصدر - سبحانه - صفات أولى الألباب، بصفة الوفاء بعهد الله، وعدم النقض للمواثيق، لأن هذه الصفة تدل على كمال الإِيمان، وصدق العزيمة، وصفاء النفس. وأضاف - سبحانه - العهد إلى ذاته، للتشريف وللتحريض على الوفاء به. وجملة { وَلاَ يَنقُضُونَ ٱلْمِيثَاق } تعميم بعد تخصيص، لتشمل عهودهم مع الله - تعالى - ومع غيره من عباده. ثم بين - سبحانه - صفات أخرى لهم فقال { وَٱلَّذِينَ يَصِلُونَ مَآ أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ }. أى أن من صفات أولى الألباب - أيضا - أنهم يصلون كل ما أمر الله - تعالى - بوصله كصلة الأرحام، وإفشاء السلام، وإعانة المحتاج، والإِحسان إلى الجار. وقوله { وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ } خشية تحملهم على امتثال أمره واجتناب نهيه.

السابقالتالي
2 3 4 5 6