الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قُلْ مَن رَّبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ قُلِ ٱللَّهُ قُلْ أَفَٱتَّخَذْتُمْ مِّن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ لاَ يَمْلِكُونَ لأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً قُلْ هَلْ يَسْتَوِي ٱلأَعْمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي ٱلظُّلُمَاتُ وَٱلنُّورُ أَمْ جَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَآءَ خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ ٱلْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ ٱللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ ٱلْوَاحِدُ ٱلْقَهَّارُ } * { أَنَزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَٱحْتَمَلَ ٱلسَّيْلُ زَبَداً رَّابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي ٱلنَّارِ ٱبْتِغَآءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ كَذٰلِكَ يَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلْحَقَّ وَٱلْبَاطِلَ فَأَمَّا ٱلزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَآءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي ٱلأَرْضِ كَذٰلِكَ يَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلأَمْثَالَ } * { لِلَّذِينَ ٱسْتَجَابُواْ لِرَبِّهِمُ ٱلْحُسْنَىٰ وَٱلَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَّا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لاَفْتَدَوْاْ بِهِ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ سُوۤءُ ٱلْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ }

قال الفخر الرازى " اعلم أنه - تعالى - لما بين أن كل من فى السماوات والأرض ساجد له، عاد إلى الرد على عبدة الأصنام فقال { قُلْ مَن رَّبُّ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ قُلِ ٱللَّهُ }. ولما كان هذا الجواب جوابا يقر به المسئول ويعترف به ولا ينكره، أمر - سبحانه - نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يكون هو الذاكر لهذا الجواب تنبيها على أنهم لا ينكرونه البتة... ". أى قل - أيها الرسول الكريم - لهؤلاء المشركين، من رب هذه الأجرام العظيمة العلوية والسفلية؟ فإذا ما أبوا الرد عليك عنادا وصلفا، فجابههم بالحقيقة التى لا يستطيعون إنكارها، وهى أن الله وحده هو رب هذه الأجرام، لأنه هو خالقها وموجدها على غير مثال سابق. وقوله - سبحانه - { قُلْ أَفَٱتَّخَذْتُمْ مِّن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ لاَ يَمْلِكُونَ لأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً } أمر ثالث منه - تعالى - لنبيه - صلى الله عليه وسلم - لإفحامهم وتبكيتهم. فالهمزة للاستفهام التوبيخى، والفاء للعطف على مقدر بعد الهمزة. والمعنى أعلمتم حق العلم أن الله - تعالى - هو الخالق للسماوات والأرض، فتركتم عبادته - سبحانه - واتخذتم من دونه " أولياء " أى نصراء عاجزين، لا يملكون لأنفسهم - فضلا عن أن يملكوا لغيرهم - نفعا يجلبونه لها، ولا ضرا يدفعون عنها. وجملة { لاَ يَمْلِكُونَ } صفة لأولياء، والمقصود بها تنبيه السامعين للنظر فى تلك الصفة، فإنهم إن أحسنوا التفكير فى هؤلاء الأولياء، أيقنوا أنهم أحقر من أن يلتفت إليهم، فضلا عن أن يطلبوا منهم شيئا. ثم أمره - سبحانه - للمرة الرابعة أن يبرهن لهم على بطلان معتقداتهم عن طريق ما هو مشاهد بالحواس فقال { قُلْ هَلْ يَسْتَوِي ٱلأَعْمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي ٱلظُّلُمَاتُ وَٱلنُّورُ }. أى قل لهم - أيضا - أيها الرسول الكريم كما أنه لا يستوى فى عرف كل عاقل الأعمى والبصير، والظلمات والنور، فكذلك لا يستوى الكفر والإِيمان، فإن الكفر انطماس فى البصيرة، وظلمات فى القلب، أما الإِيمان فهو نور فى القلب وإشراق فى النفس. فالمراد بالأعمى الكافر وبالبصير المؤمن، كما أن المراد بالظلمات الكفر وبالنور الإِيمان. وعبر القرآن الكريم فى جانب الظلمات بصيغة الجمع، وفى جانب النور بصيغة الإِفراد، لأن النور واحد ومن نتائجه الكشف والظهور. وتعدد أسبابه لا يغير حقيقته. أما الظلمة فإنها متنوعة بتنوع أسبابها، فهناك ظلمة الليل، وهناك ظلمة السجون، وهناك ظلمة القبور، وهناك ظلمة العقول التى كان من نتائجها تعدد أنواع الكفر والضلال، كما هو الحال فى شأن اليهود والنصارى والمجوس وغيرهم من الذين انحرفوا عن طريق الحق. ثم انتقل - سبحانه - إلى التهكم بهم عن طريق الالتفات من الخطاب إلى الغيبة إعراضا عنهم، وإهمالا لشأنهم فقال - تعالى - { أَمْ جَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَآءَ خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ ٱلْخَلْقُ عَلَيْهِمْ.

السابقالتالي
2 3 4