الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ ٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَىٰ وَمَا تَغِيضُ ٱلأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ } * { عَالِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ ٱلْكَبِيرُ ٱلْمُتَعَالِ } * { سَوَآءٌ مِّنْكُمْ مَّنْ أَسَرَّ ٱلْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِٱلَّيلِ وَسَارِبٌ بِٱلنَّهَارِ } * { لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ ٱللَّهُ بِقَوْمٍ سُوۤءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ }

فقوله - سبحانه - { ٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَىٰ وَمَا تَغِيضُ ٱلأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ } كلام مستأنف مسوق لبيان كمال علمه وقدرته - سبحانه -. { وتغيض } من الغيض بمعنى النقص. يقال غاض الماء إذا نقص. و { ما } موصولة والعائد محذوف. أى الله وحده هو الذى يعلم ما تحمله كل أنثى فى بطنها من علقة أو مضغة ومن ذكر أو أنثى... وهو وحده - سبحانه - الذى يعلم ما يكون فى داخل الأرحام من نقص فى الخلقة أو زيادة فيها، ومن نقص فى مدة الحمل أو زيادة فيها، ومن نقص فى العدد أو زيادة فيه... قال ابن كثير " قوله { وَمَا تَغِيضُ ٱلأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ } قال البخارى حدثنا إبراهيم بن المنذر. حدثنا معن، حدثنا مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال " مفاتيح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله لا يعلم ما فى غد إلا الله، ولا يعلم ما تغيض الأرحام إلا الله، ولا يعلم متى يأتى المطر إلا الله، ولا تدرى نفس بأى أرض تموت، ولا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله ". وقال العوفى عن ابن عباس { وَمَا تَغِيضُ ٱلأَرْحَامُ } يعنى السقط { وَمَا تَزْدَادُ }. يقول ما زادت الرحم فى الحمل على ما غاضت حتى ولدته تماما. وذلك أن من النساء من تحمل عشرة أشهر، ومنهن من تحمل تسعة أشهر، ومنهم من تزيد فى الحمل ومنهن من تنقص. فذلك الغيض والزيادة التى ذكر الله - تعالى - وكل ذلك بعلمه - سبحانه-. وقوله { وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ } أى وكل شئ عنده - سبحانه - بقدر وحد لا يجاوزه ولا ينقص عنه، كما قال - تعالى -إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ } وكما قال - تعالى -وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ } فهو - سبحانه - يعلم كمية كل شئ وكيفيته وزمانه ومكانه وسائر أحواله. وقوله { عَالِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ ٱلْكَبِيرُ ٱلْمُتَعَالِ } تأكيد لعموم علمه - سبحانه - ودقته. والغيب مصدر غاب يغيب، وكثيرا ما يستعمل بمعنى الغائب، وهو ما لا تدركه الحواس ولا يعلم ببداهة العقل. والشهادة مصدر شهد يشهد، وهى هنا بمعنى الأشياء المشهودة. والمتعال المستعلى على كل شئ فى ذاته وفى صفاته وفى أفعاله - سبحانه -. أى أنه - سبحانه - هو وحده الذى يعلم أحوال الأشياء الغائبة عن الحواس كما يعلم أحوال المشاهدة منها، وهو العظيم الشأن، المستعلى على كل شئ. وقوله - سبحانه { سَوَآءٌ مِّنْكُمْ مَّنْ أَسَرَّ ٱلْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِٱلَّيلِ وَسَارِبٌ بِٱلنَّهَارِ } تأكيد آخر لشمول - علمه - - سبحانه - لأحوال عباده.

السابقالتالي
2 3