الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَىٰ يُوسُفَ آوَىٰ إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ٱدْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَآءَ ٱللَّهُ آمِنِينَ } * { وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى ٱلْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدَاً وَقَالَ يٰأَبَتِ هَـٰذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً وَقَدْ أَحْسَنَ بَيۤ إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ ٱلسِّجْنِ وَجَآءَ بِكُمْ مِّنَ ٱلْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ ٱلشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِيۤ إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَآءُ إِنَّهُ هُوَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْحَكِيمُ } * { رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ ٱلْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ ٱلأَحَادِيثِ فَاطِرَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي ٱلدُّنُيَا وَٱلآخِرَةِ تَوَفَّنِى مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِٱلصَّالِحِينَ }

وقوله - سبحانه - { فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَىٰ يُوسُفَ آوَىٰ إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ... } معطوف على كلام محذوف والتقدير استجاب إخوة يوسف لقوله لهمٱذْهَبُواْ بِقَمِيصِي هَـٰذَا فَأَلْقُوهُ عَلَىٰ وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ } فأتوا بأهلهم أجمعين، حيث رحلوا جميعاً من بلادهم إلى مصر ومعهم أبوهم، فلما وصلوا إليها ودخلوا على يوسف، ضم إليه أبويه وعانقهما عناقاً حاراًَ. وقال للجميع { ادخُلُواْ } بلاد { مِصْرَ إِن شَآءَ ٱللَّهُ آمِنِينَ } من الجوع والخوف. وقد ذكر المفسرون هنا كلاماً يدل على أن يوسف - عليه السلام - وحاشيته ووجهاء مصر، عندما بلغهم قدوم يعقوب بأسرته إلى مصر، خرجوا جميعاً لاستقبالهم كما ذكروا أن المراد بأبويه أبوه وخالته، لأن أمه ماتت وهو صغير. إلا أن ابن كثير قال " قال محمد بن إسحاق وابن جرير كان أبوه وأمه يعيشان، وأنه لم يقم دليل على موت أمه، وظاهر القرآن يدل على حياتها ". ثم قال " وهذا الذى ذكره ابن جرير، هو الذى يدل عليه السياق ". والمراد بدخول مصر الاستقرار بها، والسكن فى ربوعها. قالوا وكان عدد أفراد أسرة يعقوب الذين حضروا معه ليقيموا فى مصر ما بين الثمانين والتسعين. والمراد بالعرش فى قوله { وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى ٱلْعَرْشِ } السرير الذى يجلس عليه. أى وأجلس يوسف أبويه معه على السرير الذى يجلس عليه، تكريماً لهما، وإعلاء من شأنهما. { وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدَاً } أى وخر يعقوب وأسرته ساجدين من أجل يوسف، وكان ذلك جائزا فى شريعتهم على أنه لون من التحية، وليس المقصود به السجود الشرعى لأنه لا يكون إلا لله - تعالى -. " وقَال " يوسف متحدثاً بنعمة الله { يٰأَبَتِ هَـٰذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً... } أى وقال يوسف لأبيه هذا السجود الذى سجدتموه لى الآن، هو تفسير رؤياى التى رأيتها فى صغرى، فقد جعل ربى هذه الرؤيا حقاً، وأرانى تأويلها وتفسيرها بعد أن مضى عليها الزمن الطويل. قالوا وكان بين الرؤيا وبين ظهور تأويلها أربعون سنة. والمراد بهذه الرؤيا ما أشار إليه القرآن فى مطلع هذه السورة فى قولهيٰأَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ } ثم قال يوسف لأبيه أيضاً { وَقَدْ أَحْسَنَ بَيۤ } ربى - عز وجل - { إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ ٱلسِّجْنِ } بعد أن مكثت بين جدرانه بضع سنين. وعدى فعل الإِحسان بالباء مع أن الأصل فيه أن يتعدى بإلى، لتضمنه معنى اللطف ولم يذكر نعمة إخراجه من الجب، حتى لا يجرح شعور إخوته الذين سبق أن قال لهملاَ تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ ٱلْيَوْمَ يَغْفِرُ ٱللَّهُ لَكُمْ } وقوله { وَجَآءَ بِكُمْ مِّنَ ٱلْبَدْوِ } معطوف على ما قبله تعدادا لنعم الله - تعالى -.

السابقالتالي
2