الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى ٱللَّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْحَكِيمُ } * { وَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يَٰأَسَفَىٰ عَلَى يُوسُفَ وَٱبْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ ٱلْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ } * { قَالُواْ تَاللهِ تَفْتَؤُاْ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّىٰ تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ ٱلْهَالِكِينَ } * { قَالَ إِنَّمَآ أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى ٱللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } * { يٰبَنِيَّ ٱذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ ٱللَّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْكَافِرُونَ }

أى { قال } يعقوب لبنيه، الذين حضروا إليه من رحلتهم، فأخبروه بما هيج أحزانه... قال لهم { بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ } أى ليس الأمر كما تدعون، ولكن أنفسكم هى التى زينت لكم أمراً أنتم أردتموه، فصبرى على ما قلتم صبر جميل، أى لا جزع معه، ولا شكوى إلا الله - تعالى -. قال ابن كثير " قال لهم كما قال لهم حين جاءوا على قميص يوسف بدم كذب { بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ } ". قال محمد بن إسحاق لما جاءوا يعقوب وأخبروه بما جرى، اتهمهم، وظن أن ما فعلوه ببنيامين يشبه ما فعلوه بيوسف فقال { بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً... } وقال بعض الناس لما كان صنيعهم هذا مرتبا على فعلهم الأول، سحب حكم الأول عليه، وصح قوله { بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً... } والخلاصة أن الذى حمل يعقوب - عليه السلام - على هذا القول لهم، المفيد لتشككه فى صدق ما أثبتوه لأنفسهم من البراءة، هو ماضيهم معه، فإنهم قد سبق لهم أن فجعوه فى يوسف بعد أن عاهدوه على المحافظة عليه. ولكن يعقوب هنا أضاف إلى هذه الجملة جملة أخرى تدل على قوة أمله فى رحمة الله، وفى رجائه الذى لا يخيب فى أن يجمع شمله بأبنائه جميعاً فقال - عليه السلام - { عَسَى ٱللَّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْحَكِيمُ }. أى عسى الله - تعالى - أن يجمعنى بأولادى جميعاً - يوسف وبنيامين وروبيل الذى تخلف عنهم فى مصر - إنه - سبحانه - هو العليم بحالى، الحكيم فى كل ما يفعله ويقضى به. وهذا القول من يعقوب - عليه السلام - يدل دلالة واضحة على كمال إيمانه، وحسن صلته بالله - تعالى - وقوة رجائه فى كرمه وعطفه ولطفه - سبحانه -. وكأنه بهذا القول يرى بنور الله الذى غرسه فى قلبه، ما يراه غيره بحواسه وجوارحه. ثم يصور - سبحانه - ما اعترى يعقوب من أحزانه على يوسف، جددها فراق بنيامين له فقال - تعالى - { وَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يَٰأَسَفَىٰ عَلَى يُوسُفَ وَٱبْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ ٱلْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ }. وقوله { يَٰأَسَفَىٰ } من الأسف وهو أشد الحزن والتحسر على ما فات من أحداث. يقال أسف فلان على كذا يأسف أسفا، إذا حزن حزناً شديداً. وألفه بدل من ياء المتكلم للتخفيف والأصل يا أسفى. وكظيم بمعنى مكظوم، وهو الممتلئ بالحزن ولكنه يخفيه من الناس ولا يبديه لهم. ومنه قوله - تعالى -وَٱلْكَاظِمِينَ ٱلْغَيْظَ } أى المخففين له، مأخوذ من كظم فلان السقاء إذا سده على ما بداخله.

السابقالتالي
2 3 4