الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ } * { إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَىٰ أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } * { ٱقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ ٱطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْماً صَالِحِينَ } * { قَالَ قَآئِلٌ مِّنْهُمْ لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَٰبَتِ ٱلْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ ٱلسَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ } * { قَالُواْ يَٰأَبَانَا مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَىٰ يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ } * { أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } * { قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِيۤ أَن تَذْهَبُواْ بِهِ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ ٱلذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ } * { قَالُواْ لَئِنْ أَكَلَهُ ٱلذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّآ إِذَاً لَّخَاسِرُونَ } * { فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُوۤاْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَٰبَتِ ٱلْجُبِّ وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَـٰذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ }

وقوله - سبحانه - { لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ } شروع فى حكاية قصة يوسف مع إخوته، بعد أن بين - سبحانه - صفة القرآن الكريم، وبعد أن أخبر عما رآه يوسف فى منامه، وما قاله أبوه له. وإخوة يوسف هم رأو بين، وشمعون، ولاوى، ويهوذا، ويساكر، وزبولون، ودان، ونفتالى، وجاد، وأشير، وبنيامين. والآيات جمع آية والمراد بها هنا العبر والعظات والدلائل الدالة على قدرة الله - تعالى - ووجوب إخلاص العبادة له. والمعنى لقد كان فى قصة يوسف مع إخوته عبر وعظات وعظيمة، ودلائل تدل على قدرة الله القاهرة، وحكمته الباهرة، وعلى ما للصبر وحسن الطوية من عواقب الخير والنصر، وعلى ما للحسد والبغى من شرور وخذلان. وقوله " للسائلين " أى لمن يتوقع منهم السؤال، بقصد الانتفاع بما ساقه القرآن الكريم من مواعظ وأحكام. أى لقد كان فيما حدث بين يوسف وإخوته، آيات عظيمة، لكل من سأل عن قصتهم، وفتح قلبه للانتفاع بما فيها من حكم وأحكام، تشهد بصدق النبى - صلى الله عليه وسلم - فيما يبلغه عن ربه. وهذا الافتتاح لتلك القصة، كفيل بتحريك الانتباه لما سيلقى بعد ذلك منها، ومن تفصيل لأحداثها، وبيان لما جرى فيها. وقوله - سبحانه - { إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَىٰ أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ.. }. بيان لما قاله إخوة يوسف فيما بينهم، قبل أن ينفذوا جريمتهم. و " إذ " ظرف متعلق بالفعل " كان " فى قوله - سبحانه - قبل ذلك { لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ.. }. واللام فى قوله { ليوسف } لتأكيد أن زيادة محبة أبيهم ليوسف وأخيه، أمر ثابت، لا يقبل التردد أو التشكك. والمراد بأخيه أخوه من أبيه وأمه وهو " بنيامين " وكان أصغر من يوسف - عليه السلام - أما بقيتهم فكانوا إخوة له من أبيه فقط. ولم يذكروه باسمه، للاشعار بأن محبة يعقوب له، من أسبابها كونه شقيقا ليوسف، ولذا كان حسدهم ليوسف أشد. وجملة " نحن عصبة " حالية. والعصبة كلمة تطلق على ما بين العشرة إلى الأربعين من الرجال، وهى مأخوذة من العصب بمعنى الشد، لأن كلا من أفرادها يشد الآخر ويقويه ويعضده، أو لأن الأمور تعصب بهم. أى تشتد وتقوى. أى قال إخوة يوسف وهم يتشاورون فى المكر به ليوسف وأخوه " بنيامين " أحب إلى قلب أبينا منا، مع أننا نحن جماعة من الرجال الأقوياء الذين عندهم القدرة على خدمته ومنفعته والدفاع عنه دون يوسف وأخيه. وقولهم - كما حكى القرآن عنهم - { إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } تذييل قصدوا به درء الخطأ عن أنفسهم فيما سيفعلونه بيوسف وإلقائه على أبيه الذى فرق بينهم - فى زعمهم - فى المعاملة.

السابقالتالي
2 3 4 5 6