الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَجَآءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُواْ عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ } * { وَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ قَالَ ٱئْتُونِي بِأَخٍ لَّكُمْ مِّنْ أَبِيكُمْ أَلاَ تَرَوْنَ أَنِّيۤ أُوفِي ٱلْكَيْلَ وَأَنَاْ خَيْرُ ٱلْمُنْزِلِينَ } * { فَإِن لَّمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلاَ كَيْلَ لَكُمْ عِندِي وَلاَ تَقْرَبُونِ } * { قَالُواْ سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ } * { وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ ٱجْعَلُواْ بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَآ إِذَا ٱنْقَلَبُوۤاْ إِلَىٰ أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }

قال الفخر الرازى - رحمه الله - اعلم أنه لما عم القحط فى البلاد، ووصل أيضاً إلى البلدة التى كان يسكنها يعقوب - عليه السلام - وصعب الزمان عليهم فقال لبنيه إن بمصر صالحاً يمير الناس - أى يعطيهم الطعام وما هم فى حاجة إليه فى معاشهم - فاذهبوا إليه بدراهمكم، وخذوا منه الطعام، فخرجوا إليه وهم عشرة وبقى " بنيامين " مع أبيه، ودخلوا على يوسف - عليه السلام - وصارت هذه الواقعة كالسبب فى اجتماع يوسف مع إخوته، وظهور صدق ما أخبره الله - تعالى - عنه فى قوله ليوسف حال ما ألقوه فى الجبلَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَـٰذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } وقد جاءوا إليه جميعاً - ما عدا " بنيامين " وهو الشقيق الأصغر ليوسف ليحصلوا منه على أكبر كمية من الطعام على حسب عددهم، وليكون عندهم القدرة عل صد العدوان إذا ما تعرض لهم قطاع الطرق الذين يكثرون فى أوقات الجدب والجوع. وعبر عن معرفة يوسف لهم بالجملة الفعلية، وعن جهلهم له بالجملة الإسمية للإشعار بأن معرفته لهم حصلت بمجرد رؤيته لهم، أما هم فعدم معرفتهم له كان أمرا ثابتاً متمكناً منهم. قال صاحب الكشاف " لم يعرفوه لطول العهد، ومفارقته إياهم فى سن الحداثة ولاعتقادهم أنه قد هلك، ولذهابه عن أوهامهم لقلة فكرهم فيه، واهتمامهم بشأنه، ولبعد حاله التى بلغها من الملك والسلطان عن حاله التى فارقوه عليها طريحاً فى البئر، حتى لو تخيلوا أنه هو لكذبوا أنفسهم وظنونهم، ولأن الملك مما يبدل الزى، ويلبس صاحبه من التهيب والاستعظام ما ينكر له المعروف... " ويؤخذ من هذه الآية الكريمة أن المجاعة التى حدثت فى السبع السنين الشداد شملت مصر وما جاورها من البلاد - كما سبق أن أشرنا -. كما يؤخذ منها أن مصر كانت محط أنظار المعسرين من مختلف البلاد بفضل حسن تدبير يوسف - عليه السلام - وأخذه الأمور بالعدالة والرحمة وسهره على مصالح الناس، ومراقبته لشئون بيع الطعام، وعدم الاعتماد على غيره حتى إن إخوته قد دخلوا عليه وحده، دون غيره من المسئولين فى مصر. وقوله - سبحانه - { وَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ قَالَ ٱئْتُونِي بِأَخٍ لَّكُمْ مِّنْ أَبِيكُمْ... } بيان لما فعله يوسف معهم بعد أن عرفهم دون أن يعرفوه. وأصل الجهاز - بفتح الجيم وكسرها قليل - ما يحتاج إليه المسافر من زاد ومتاع، يقال جهزت المسافر، أى هيأت له جهازه الذى يحتاج إليه فى سفره، ومنه جهاز العروس وهو ما تزف به إلى زوجها، وجهاز الميت وهو ما يحتاج إليه فى دفنه... والمراد أن يوسف بعد ان دخل عليه إخوته وعرفهم، أكرم وفادتهم.

السابقالتالي
2 3 4