الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ الۤر تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ ٱلْمُبِينِ } * { إِنَّآ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } * { نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ ٱلْقَصَصِ بِمَآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ ٱلْغَافِلِينَ } * { إِذْ قَالَ يُوسُفُ لأَبِيهِ يٰأَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ } * { قَالَ يٰبُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَىٰ إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْداً إِنَّ ٱلشَّيْطَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ } * { وَكَذٰلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ ٱلأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَىٰ ءَالِ يَعْقُوبَ كَمَآ أَتَمَّهَآ عَلَىٰ أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }

افتتحت سورة يوسف - عليه السلام - ببعض الحروف المقطعة. وقد سبق أن تكلمنا عن آراء العلماء فى هذه الحروف فى سورة البقرة، وآل عمران، والأعراف، ويونس، وهود. وقلنا ما ملخصه لعل أقرب الأقوال إلى الصواب، أن هذه الحروف المقطعة، قد وردت فى افتتاح بعض السور على سبيل الايقاظ والتنبيه إلى إعجاز القرآن الكريم. فكأن الله - تعالى - يقول لأولئك المعارضين فى أن القرآن من عند الله - تعالى - هاكم القرآن ترونه مؤلفا من كلام هو من جنس ما تؤلفون منه كلامكم، ومنظوما من حروف هى من جنس الحروف الهجائية التى تنظمون منها حروفكم.. فإن كنتم فى شك من كونه منزلا من عند الله فهاتوا مثله، وادعوا من شئتم من الخلق لكى يعاونكم فى ذلك. ومما يشهد لصحة هذا الرأى أن الآيات التى تلى هذه الحروف المقطعة تراها تتحدث - صراحة أو ضمنا - عن القرآن الكريم وعن كونه من عند الله - تعالى - وعن كونه معجزة للرسول - صلى الله عليه وسلم - ففى مطلع سورة البقرةالۤمۤ. ذَلِكَ ٱلْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ... } وفى مطلع سورة آل عمرانالۤمۤ. ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْحَيُّ ٱلْقَيُّومُ. نَزَّلَ عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ ٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإِنْجِيلَ.. } وفى أول سورة الأعرافالۤمۤصۤ. كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ } وفى أول سورة يونسالۤر تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ ٱلْحَكِيمِ. أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ رَجُلٍ مِّنْهُمْ أَنْ أَنذِرِ ٱلنَّاسَ وَبَشِّرِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ... } وفى أول سورة هودالۤر. كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ... } وهكذا نجد أن معظم الآيات التى تلى الحروف المقطعة، منها ما يتحدث عن أن هذا الكتاب من عند الله - سبحانه - ومنها ما يتحدث عن وحدانية الله - تعالى -، ومنها ما يتحدث عن صدق الرسول - صلى الله عليه وسلم - فى دعوته.. وهذا كله لتنبيه الغافلين إلى أن هذا القرآن من عند الله، وأنه المعجزة الخالدة للرسول - صلى الله عليه وسلم -. ثم قال - تعالى - { تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ ٱلْمُبِينِ } و " تلك " اسم إشارة، المشار إليه الآيات، والمراد بها آيات القرآن الكريم ويندرج فيها آيات السورة التى معنا. والكتاب مصدر كتب كالكتب. وأصل الكتب ضم أديم إلى آخر بالخياطة. واستعمل عرفا فى ضم الحروف بعضها إلى بعض بالخط، والمراد به القرآن الكريم. والمبين أى الواضح الظاهر من أبان بمعنى بان أى ظهر. والمعنى تلك الآيات التى نتلوها عليك - أيها الرسول الكريم - فى هذه السورة وفى غيرها، هى آيات الكتاب الظاهر أمره، الواضح إعجازه، بحيث لا تشتبه على العقلاء حقائقه، ولا تلتبس عليهم هداياته.

السابقالتالي
2 3 4 5 6