الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ ٱلآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّىٰ حِينٍ } * { وَدَخَلَ مَعَهُ ٱلسِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَآ إِنِّيۤ أَرَانِيۤ أَعْصِرُ خَمْراً وَقَالَ ٱلآخَرُ إِنِّي أَرَانِيۤ أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ ٱلطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ ٱلْمُحْسِنِينَ } * { قَالَ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيكُمَا ذٰلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّيۤ إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَهُمْ بِٱلآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ } * { وَٱتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَآئِـيۤ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَآ أَن نُّشْرِكَ بِٱللَّهِ مِن شَيْءٍ ذٰلِكَ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى ٱلنَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ } * { يٰصَاحِبَيِ ٱلسِّجْنِ ءَأَرْبَابٌ مُّتَّفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ ٱللَّهُ ٱلْوَاحِدُ ٱلْقَهَّارُ } * { مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَآءً سَمَّيْتُمُوهَآ أَنتُمْ وَآبَآؤُكُمْ مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ ٱلْحُكْمُ إِلاَّ للَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } * { يٰصَاحِبَيِ ٱلسِّجْنِ أَمَّآ أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً وَأَمَّا ٱلآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ ٱلطَّيْرُ مِن رَّأْسِهِ قُضِيَ ٱلأَمْرُ ٱلَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ } * { وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِّنْهُمَا ٱذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ ٱلشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي ٱلسِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ }

وقوله - سبحانه - { ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ ٱلآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّىٰ حِينٍ } بيان لما فعله العزيز وحاشيته مع يوسف - عليه السلام - بعد أن ثبتت براءته. وبدا هنا من البداء - بالفتح - وهو - كما يقول الإِمام الرازى - عبارة عن تغير الرأى عما كان عليه فى السابق. والضمير فى " لهم " يعود إلى العزيز وأهل مشورته. والمراد بالآيات الحجج والبراهين الدالة على براءة يوسف ونزاهته، كانشقاق قميصه من دبر، وقول امرأة العزيز ولقد راودته عن نفسه فاستعصم، وشهادة الشاهد بأن يوسف هو الصادق وهى الكاذبة... والحين الزمن غير المحدد بمدة معينة. والمعنى ثم ظهر للعزيز وحاشيته، من بعد ما رأوا وعاينوا البراهين المتعددة الدالة على صدق يوسف - عليه السلام - وطهارة عرضه.. بدا لهم بعد كل ذلك أن يغيروا رأيهم فى شأنه، وأن يسجنوه فى المكان المعد لذلك، إلى مدة غير معلومة من الزمان. واللام فى قوله " ليسجننه " جواب لقسم محذوف على تقدير القول أى ظهر لهم من بعد ما رأوا الآيات قائلين، والله ليسجننه حتى حين. ولا شك أن الأمر بسجن يوسف - عليه السلام - كان بتأثير من امرأة العزيز، تنفيذا لتهديدها بعد أن صمم يوسف - عليه السلام - على عصيانها فيما تدعوه إليه، فقد سبق أن حكى القرآن عنها قولهاوَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَآ آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِّن ٱلصَّاغِرِينَ } ولا شك - أيضا - أن هذا القرار بسجن يوسف يدل على أن المرأة العزيز كانت مالكة لقياد زوجها صاحب المنصب الكبير، فهى تقوده حيث تريد كما يقود الرجل دابته. ولقد عبر عن هذا المعنى صاحب الكشاف فقال ما ملخصه قوله { ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ ٱلآيَاتِ... } وهى الشواهد على براءته، وما كان ذلك إلا باستنزال المرأة لزوجها، وفتلها منه فى الذروة والغارب، وكان مطواعا لها، وجملا ذلولا زمامه فى يدها، حتى أنساه ذلك ما عاين من الآيات، وعمل برأيها فى سجنه، لإِلحاق الصغار به كما أوعدته، وذلك لما أيست من طاعته لها، وطمعت فى أن يذلِّلَه السجن ويسخره لها. ثم بين - سبحانه - جانبا من أحواله بعد أن دخل السجن فقال { وَدَخَلَ مَعَهُ ٱلسِّجْنَ فَتَيَانِ.. } والفتيان تثنية فتى، وهو من جاوز الحلم ودخل فى سن الشباب. قالوا وهذان الفتيان كان أحدهما خبازا للملك وصاحب طعامه وكان الثانى ساقيا للملك، وصاحب شرابه. وقد أدخلهما الملك السجن غضبا عليهما، لأنهما اتهما بخيانته. والجملة الكريمة عطف على كلام محذوف يفهم من السياق، والتقدير بعد أن بدا للعزيز وحاشيته سجن يوسف.

السابقالتالي
2 3 4 5 6