الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي ٱلْمَدِينَةِ ٱمْرَأَةُ ٱلْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } * { فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَئاً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّيناً وَقَالَتِ ٱخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَـٰذَا بَشَراً إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ } * { قَالَتْ فَذٰلِكُنَّ ٱلَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَٱسَتَعْصَمَ وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَآ آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِّن ٱلصَّاغِرِينَ } * { قَالَ رَبِّ ٱلسِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِيۤ إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ ٱلْجَاهِلِينَ } * { فَٱسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ }

قوله - سبحانه - { وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي ٱلْمَدِينَةِ ٱمْرَأَةُ ٱلْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ.. } حكاية لما تناقلته الألسنة عن امرأة العزيز، فقد جرت العادة بين النساء، أن يتحدثن عن أمثال هذه الأمور فى مجالسهن، ولا يكتمنها خصوصا إذا كانت صاحبة الحادثة من نساء الطبقة المرموقة.. كامرأة العزيز. والنسوة اسم جمع لا واحد له من لفظه، ومفرده حيث المعنى امرأة. والمراد بالمدينة مدينة مصر التى كان يعيش فيها العزيز وزوجته والجار والمجرور متعلق بمحذوف صفة لنسوة. أى وقال نسوة من نساء مدينة مصر - على سبيل النقد والتشهير والتعجب - إن امرأة العزيز، صاحبة المكانة العالية، والمنزلة الرفيعة، بلغ بها الحال فى انقيادها لهواها، وفى خروجها عن طريق العفة.. أنها تراود فتاها عن نفسه، أى تطلب منه مواقعتها، وتتخذ لبلوغ غرضها شتى الوسائل والحيل. ولم يبين لنا القرآن الكريم عدد هؤلاء النسوة ولا صفاتهم، لأنه لا يتعلق بذلك غرض نافع، ولأن الذى يهدف إليه القرآن الكريم هو بيان أن ما حدث بين يوسف وامرأة العزيز، قد شاع أمره بين عدد من النساء فى مدينة كبيرة كمصر وفى وصفها بأنها " ٱمْرَأَةُ ٱلْعَزِيزِ " زيادة فى التشهير بها. فقد جرت العادة بين الناس، بأن ما يتعلق بأصحاب المناصب الرفيعة من أحداث، يكون أكثر انتشارا بينهم، وأشد فى النقد والتجريح. والتعبير بالمضارع فى قوله - سبحانه - { تُرَاوِدُ } يشعر بأنها كانت مستمرة على ذلك، دون أن يمنعها منه افتضاح أمرها، وقول زوجها لها { وَٱسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ ٱلْخَاطِئِينَ } والمراد بفتاها يوسف - عليه السلام - ووصفْتَه بذلك لأنه كان فى خدمتها، والمبالغة فى رميها بسوء السلوك، حيث بلغ بها الحال فى احتقار نفسها، أن تكون مراودة لشخص هو خادم لها.. وجملة { قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً } بيان لحالها معه، وهى فى محل نصب حال من فاعل تراود أو من مفعوله والمقصود بها تكرير لومها، وتأكيد انقيادها لشهواتها. وشغف مأخوذ من الشغاف - بكسر الشين - وهو غلاف القلب، أو سويداؤه أو حجابه، يقال شغف الهوى قلب فلان شغفا، أى بلغ شغافه. والمراد أن حبها إياه قد شق شغاف قلبها. وتمكن منه تمكنا لا مزيد عليه و " حبا " تمييز محول عن الفاعل، والأصل شغفها حبها إياه. وجملة { إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } مقررة لمضمون ما قبلها من لوم امرأة العزيز، وتحقير سلوكها، والمراد بالضلال مخالفة طريق الصواب. أى إنا لنرى هذه المرأة بعين بصيرتنا، وصادق علمنا. فى خطأ عظيم واضح بحيث لا يخفى على أحد من العقلاء، لأنها - وهى المرأة المرموقة وزوجة الرجل الكبير - تراود خادمها عن نفسه.

السابقالتالي
2 3 4 5