الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَرَاوَدَتْهُ ٱلَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ ٱلأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ ٱللَّهِ إِنَّهُ رَبِّيۤ أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلظَّالِمُونَ } * { وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلاۤ أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ ٱلسُّوۤءَ وَٱلْفَحْشَآءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُخْلَصِينَ } * { وَٱسْتَبَقَا ٱلْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى ٱلْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَآءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوۤءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَآ إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ } * { وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ } * { فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ } * { يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَـٰذَا وَٱسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ ٱلْخَاطِئِينَ }

وقوله - سبحانه - { وَرَاوَدَتْهُ ٱلَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ... } رجوع إلى شرح ما جرى ليوسف فى منزل العزيز بعد أن أمر امرأته بإكرام مثواه، وما كان من حال تلك المرأة مع يوسف، وكيف أنها نظرت إليه بعين، تخالف العين التى نظر بها إليه زوجها. والمراودة - كما يقول صاحب الكشاف - مفاعلة من راد يرود إذا جاء وذهب، كأن المعنى خادعته عن نفسه، أى فعلت معه ما يفعله المخادع لصاحبه عن الشئ الذى لا يريد أن يخرجه من يده، يحتال أن يغلبه عليه ويأخذه منه، وهو عبارة عن التحايل لمواقعته إياها. والتعبير عن حالها معه بالمراودة المقتضية لتكرار المحاولة، للإِشعار بأنها كان منها الطلب المستمر، المصحوب بالإِغراء والترفق والتحايل على ما تشتهيه منه بشتى الوسائل والحيل. وكان منه - عليه السلام - الإِباء والامتناع عما تريده خوفا من الله - تعالى.. وقال - سبحانه - { ٱلَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا } دون ذكر لاسمها، سترا لها، وابتعادا عن التشهير بها، وهذا من الأدب السامى الذى التزمه القرآن فى تعبيراته وأساليبه، حتى يتأسى أتباعه بهذا اللون من الأدب فى التعبير. والمراد ببيتها بيت سكناها، والإِخبار عن المراودة بأنها كانت فى بيتها. أدعى لإظهار كمال نزاهته عليه السلام - فإن كونه فى بيتها يغرى بالاستجابة لها، ومع ذلك فقد أعرض عنها، ولم يطاوعها فى مرادها. وعدى فعل المراودة بعن، لتضمنه معنى المخادعة. قال بعض العلماء و " عن " هنا للمجاوزة، أى راودته مباعدة له عن نفسه، أى بأن يجعل نفسه لها، والظاهر أن هذا التركيب من مبتكرات القرآن الكريم، فالنفس هنا كناية عن غرض المواقعة، قاله ابن عطيه، أى فالنفس أريد به عفافه وتمكينها منه لما تريد، فكأنها تراوده عن أن يسلم إليها إرادته وحكمه فى نفسه ". وقوله { وَغَلَّقَتِ ٱلأَبْوَابَ } أى أبواب بيت سكناها الذى تبيت فيه بابا فباباً، قيل كانت الأبواب سبعة. والمراد أنها أغلقت جميع الأبواب الموصلة إلى المكان الذى راودته فيه إغلاقا شديدا محكما، كما يشعر بذلك التضعيف فى " غلّقت " زيادة فى حمله على الاستجابة لها. ثم أضافت إلى كل تلك المغريات أنها قالت له هيت لك، أى هأنذا مهيئة لك فأسرع فى الإِقبال على... وهذه الدعوة السافرة منها له، تدل على أنه تلك المرأة كانت قد بلغت النهاية فى الكشف عن رغبتها، وأنها قد خرجت من المألوف من بنات جنسها، فقد جرت العادة أن تكون المرأة مطلوبة لا طالبة... و " هيت " اسم فعل أمر بمعنى أقبل وأسرع، فهى كلمة حض وحث على الفعل، واللام فى " لك " لزيادة بيان المقصود بالخطاب، كما فى قولهم سقيا لك وشكراً لك.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10