الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُواْ وَارِدَهُمْ فَأَدْلَىٰ دَلْوَهُ قَالَ يٰبُشْرَىٰ هَـٰذَا غُلاَمٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ } * { وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ ٱلزَّاهِدِينَ } * { وَقَالَ ٱلَّذِي ٱشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَىٰ أَن يَنفَعَنَآ أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَكَذٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي ٱلأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ ٱلأَحَادِيثِ وَٱللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } * { وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذٰلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ }

فقوله - سبحانه - { وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُواْ وَارِدَهُمْ فَأَدْلَىٰ دَلْوَهُ... } شروع فى الحديث عما جرى ليوسف من أحداث بعد أن ألقى به إخوته فى الجب. والسيارة جماعة المسافرين، وكانوا - كما قيل - متجهين من بلاد الشام إلى مصر. والوارد هو الذى يرد الماء ليستقى للناس الذين معه. ويقع هذا اللفظ على الفرد والجماعة. فيقال لكل من يرد الماء وارد، كما يقال للماء مورود. وقوله { فَأَدْلَىٰ } من الإِدلاء بمعنى إرسال الدلو فى البئر لأخذ الماء. والدلو إناء معروف يوضع فيه الماء. وفى الآية الكريمة كلام محذوف دل عليه المقام، والتقدير وبعد أن ألقى إخوة يوسف به فى الجب وتركوه وانصرفوا لشأنهم، جاءت إلى ذلك المكان قافلة من المسافرين، فأرسلوا واردهم ليبحث لهم عن ماء ليستقوا، فوجد جبا، فأدلى دلوه فيه، فتعلق به يوسف، فلما خرج ورآه فرح به وقال يا بشرى هذا غلام. وأوقع النداء على البشرى، للتعبير عن ابتهاجه وسروره، حتى لكأنها شخص عاقل يستحق النداء، أى يا بشارتى أقبلى فهذا أوان إقبالك. وقيل المنادى محذوف والتقدير يا رفاقى فى السفر أبشروا فهذا غلام، وقد خرج من الجب. وقرأ أهل المدينة ومكة يا بشراى هذا غلام. بإضافة البشرى إلى ياء المتكلم. والضمير المنصوب وهو الهاء فى قوله { وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً } يعود إلى يوسف. أما الضمير المرفوع فيعود إلى السيارة، وأسر من الإِسرار الذى هو ضد الإِعلان. والبضاعة عرضو التجارة ومتاعها. وهذا اللفظ مأخوذ من البضع بمعنى القطع، وأصله جملة من اللحم تبضع أى تقطع. وهو حال من الضمير المنصوب فى { وأسروه }. والمعنى وأخفى جماعة المسافرين خبر التقاط يوسف من الجب مخافة أن يطلبه أحد من السكان المجاورين للجب، واعتبره بضاعة سرية لهم، وعزموا على بيعه على أنه من العبيد الأرقاء. ولعل يوسف - عليه السلام - قد أخبرهم بقصته بعد إخراجه من الجب. ولكنهم لم يلتفتوا إلى ما أخبرهم به طمعا فى بيعه والانتفاع بثمنه. ومن المفسرين من يرى أن الضمير المرفوع فى قوله { وأسروه } يعود على الوارد ورفاقه، فيكون المعنى وأسر الوارد ومن معه أمر يوسف عن بقية أفراد القافلة، مخافة أن يشاركوهم فى ثمنه إذا علموا خبره، وزعموا أن أهل هذا المكان الذى به الجب دفعوه إليهم ليبيعوه لهم فى مصر على أنه بضاعة لهم. ومنهم من يرى أن الضمير السابق يعود إلى إخوة يوسف. قال الشوكانى ما ملخصه وذلك أن يهوذا كان يأتى إلى يوسف كل يوم بالطعام، فأتاه يوم خروجه من الجب فلم يجده، فأخبر إخوته بذلك، فأتوا إلى السيارة وقالوا لهم " إن الغلام الذى معكم عبد لنا قد أبق، فاشتروه منهم بثمن بخس، وسكت يوسف مخافة أن يأخذه إخوته فيقتلوه ".

السابقالتالي
2 3 4