الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ } * { مَلِكِ ٱلنَّاسِ } * { إِلَـٰهِ ٱلنَّاسِ } * { مِن شَرِّ ٱلْوَسْوَاسِ ٱلْخَنَّاسِ } * { ٱلَّذِى يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ } * { مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ }

أى قل - أيها الرسول الكريم - أعوذ وألتجئ وأعتصم " برب الناس " أى بمربيهم ومصلح أمورهم، وراعى شئونهم.. إذ الرب هو الذى يقوم بتدبير أمر غيره، وإصلاح حاله.. { مَلِكِ ٱلنَّاسِ } أى المالك لأمرهم ملكا تاما. والمتصرف فى شئونهم تصرفا كاملا.. { إِلَـٰهِ ٱلنَّاسِ } أى الذى يدين له الناس بالعبودية والخضوع والطاعة لأنه هو وحده الذى خلقهم وأوجدهم فى هذه الحياة، وأسبغ عليهم من النعم ما لا يحصى.. وبدأ - سبحانه - بإضافة الناس إلى ربهم، لأن الربوبية من أوائل نعم الله - تعالى - على عباده، وثنى بذكر المالك، لأنه إنما يدرك ذلك بعد أن يصير عاقلا مدركا، وختم بالإِضافة إلى الألوهية، لأن الإِنسان بعد أن يدرك ويتعلم، يدرك أن المستحق للعبادة هو الله رب العالمين. قال الجمل وقد وقع ترتيب هذه الإِضافات على الوجه الأكمل، الدال على الوحدانية، لأن من رأى ما عليه من النعم الظاهرة والباطنة، علم أن له مربيا، فإذا درج فى العروج.. علم أنه - تعالى - غنى عن الكل، والكل راجع إليه، وعن أمره تجرى أمورهم، فيعلم أنه ملكهم، ثم يعلم بانفراده بتدبيرهم بعد إبداعهم، أنه المستحق للألوهية بلا مشارك فيها.. وإنما خصت هذه الصفات بالإضافة إلى الناس - مع أنه - سبحانه - رب كل شئ - على سبيل التشريف لجنس الإِنسان، ولأن الناس هم الذين أخطأوا فى حقه - تعالى -، إذ منهم من عبد الأصنام، ومنهم من عبد النار، ومنهم من عبد الشمس إلى غير ذلك من المعبودات الباطلة التى هى مخلوقة له - تعالى -. قال صاحب الكشاف فإن قلت لم قيل " برب الناس " مضافا إليهم خاصة؟ قلت لأن الاستعاذة وقعت من شر الموسوس فى صدور الناس. فكأنه قيل أعوذ من شر الموسوس إلى الناس بربهم، الذى يملك عليهم أمورهم، كما يستغيث بعض الموالى إذا اعتراهم خطب بسيدهم ومخدومهم ووالى أمرهم. فإن قلت " ملك الناس. إله الناس " ما هما من رب الناس؟ قلت هما عطفا بيان، كقولك سيرة أبى حفص عمر الفاروق. بين بملك الناس، ثم زيد بيانا بإله الناس.. فإن قلت فهلا اكتفى بإظهار المضاف إليه الذى هو الناس مرة واحدة؟ قلت أظهر المضاف إليه الذى هو الناس لأن عطف البيان للبيان، فكان مظنة للإِظهار دون الإِضمار.. وقوله - سبحانه - { مِن شَرِّ ٱلْوَسْوَاسِ ٱلْخَنَّاسِ } متعلق بقوله { أَعُوذُ }. والوسواس اسم للوسوسة وهى الصوت الخفى، والمصدر الوِسْوَاس - بالكسر -، والمراد به هنا الوصف. من باب إطلاق اسم المصدر على الفاعل، أو هو وصف مثل الثرثار. و " الخناس " صيغة مبالغة من الخنوس، وهو الرجوع والتأخر، والمراد به الذى يلقى فى نفس الإِنسان أحاديث السوء.

السابقالتالي
2