الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ } * { مِن شَرِّ مَا خَلَقَ } * { وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ } * { وَمِن شَرِّ ٱلنَّفَّاثَاتِ فِي ٱلْعُقَدِ } * { وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ }

الفلق أصله شق الشئ عن الشئ، وفصل بعض عن بعض، والمراد به هنا الصبح، وسمى فلقا لانفلاق الليل وانشقاقه عنه، كما فى قوله - تعالى -فَالِقُ ٱلإِصْبَاحِ } أى شاقٌّ ظلمة آخر الليل عن بياض الفجر.. ويصح أن يكون المراد به، كل ما يفلقه الله - تعالى - من مخلوقات كالأرض التى تنفلق عن النبات، والجبال التى تنفلق عن عيون الماء.. أى قل - أيها الرسول الكريم - أعوذ وأستجير وأعتصم، بالله - تعالى - الذى فلق الليل، فانشق عنه الصباح، والذى هو رب جميع الكائنات، ومبدع كل المخلوقات.. قل أعوذ بهذا الرب العظيم { مِن شَرِّ مَا خَلَقَ } أى من شر كل ذى شر من المخلوقات، لأنه لا عاصم من شرها إلا خالقها - عز وجل - إذ هو المالك لها، والمتصرف فى أمرها، والقابض على ناصيتها، والقادر على تبديل أحوالها، وتغيير شئونها. ثم قال - تعالى - { وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ } والغاسق الليل عندما يشتد ظلامه، ومنه قوله - تعالى -أَقِمِ ٱلصَّلاَةَ لِدُلُوكِ ٱلشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ ٱلْلَّيْلِ... } أى إلى ظلامه. وقوله { وقب } من الوقوب، وهو الدخول، يقال وقبت الشمس إذا غابت وتوارت فى الأفق. أى وقل أعوذ به - تعالى - من شر الليل إذا اشتد ظلامه، وأسدل ستاره على كل شئ واختفى تحت جنحه ما كان ظاهرا. ومن شأن الليل عندما يكون كذلك، أن يكون مخيفا مرعبا، لأن الإِنسان لا يتبين ما استتر تحته من أعداء. ثم قال - سبحانه - { وَمِن شَرِّ ٱلنَّفَّاثَاتِ فِي ٱلْعُقَدِ } وأصل النفاثات جمع نفَّاثَة، وهذا اللفظ صيغة مبالغة من النَّفث، وهو النفخ مع ريق قليل يخرج من الفم. والعُقَد جمع عُقْدة من العَقْدِ الذى هو ضد الحل، وهى اسم لكل ما ربط وأحكم ربطه. والمراد بالنفاثات فى العقد النساء السواحر، اللائى يعقدن عقدا فى خيوط وينفثن عليها من أجل السحر. وجئ بصيغة التأنيث فى لفظ " النفاثات " لأن معظم السحرة كن من النساء. ويصح أن يكون النفاثات صفة للنفوس التى تفعل ذلك، فيكون هذا اللفظ شاملا للذكور والإِناث. وقيل المراد بالنفاثات فى العقد النمامون الذين يسعون بين الناس والفساد، فيقطعون بما أمر الله به أن يوصل.. وعلى ذلك تكون فى " النفاثة " للمبالغة كعلامة وفهامة، وليست للتأنيث. أى وقل - أيضا - أستجير بالله - تعالى - من شرور السحرة والنمامين، ومن كل الذين يفسدون فى الأرض ولا يصلحون. ثم ختم - سبحانه - السورة الكريمة بقوله { وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ }. والحاسد هو الإِنسان الذى يتمنى زوال النعمة عن غيره.

السابقالتالي
2