الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ } * { إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَٱتَّبَعُوۤاْ أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَآ أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ } * { يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ ٱلنَّارَ وَبِئْسَ ٱلْوِرْدُ ٱلْمَوْرُودُ } * { وَأُتْبِعُواْ فِي هَـٰذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ بِئْسَ ٱلرِّفْدُ ٱلْمَرْفُودُ }

وموسى - عليه السلام - هو ابن عمران، من نسل " لاوى " بن يعقوب. ويرى بعض المؤرخين أن ولادة موسى كانت فى حوالى القرن الثالث عشر قبل الميلاد، وأن بعثته كانت فى عهد منفتاح بن رمسيس الثانى. والمراد بالآيات الآيات التسع المشار إليها فى قوله - تعالى -وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ... } وهى العصا، واليد البيضاء، والسنون العجاف، ونقص الثمرات، والطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم. والسلطان المبين الحجة الواضحة، والبرهان الظاهر على صدقه، وسمى ذلك سلطانا لأن صاحب الحجة والبرهان على ما يدعى، يقهر ويغلب من لا حجة ولا برهان معه، كما يقهر السلطان غيره. والمعنى ولقد أرسلنا نبينا موسى - عليه السلام - بمعجزاتنا الدالة على صدقه، وبحجته القوية الواضحة، الشاهدة على أنه رسول من عندنا، إلى فرعون وملئه الذين هم خاصته، وسادات قومه وكبراؤهم... وخصهم بالذكر مع فرعون، لأنهم هم الذين كانوا ينفذون أوامره، ويعاونونه على فساده والضمير فى قوله { فَٱتَّبَعُوۤاْ أَمْرَ فِرْعَوْنَ } يعود إلى الملأ. أى فاتبعوا أمره فى كل ما قرره من كفر، وفى كل ما أشار به من فساد. وفى هذه الجملة الكريمة - كما يقول الزمخشرى - تجهيل لهم، حيث شايعوه على أمره، وهو ضلال مبين لا يخفى على من فيه أدنى مسكة من العقل، وذلك أنه ادعى الألوهية وهو بشر مثلهم، وجاهر بالعسف والظلم والشر الذى لا يأتى إلا من شيطان مارد، فاتبعوه وسلموا له دعواه، وتتابعوا على طاعته. وقال - سبحانه - { فَٱتَّبَعُوۤاْ أَمْرَ فِرْعَوْنَ } ولم يقل فاتبعوا أمره، للتشهير به، والإِعلان عن ذمه الذى صرح به فى قوله - سبحانه - { وَمَآ أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ }. والرشيد بزنة - فعيل - رشد من باب نصر وفتح هو الشخص المتصف بإصابة الرأى، وجودة التفكير، وأضيف الرشد إلى الأمر على سبيل المجاز، مبالغة فى اشتمال أمر فرعون على ما يناقض الرشد والسداد، ويطابق الغى والفساد. أى ما شأن فرعون وأمره بذى رشد وهدى، بل هو محض الغى والضلال، فكان من الواجب على ملئه أن ينبذوه ويهملوه، بدل أن يطيعوه ويتبعوه... ثم بين - سبحانه - سوء مصيره ومصير أتباعه فقال { يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ ٱلنَّارَ وَبِئْسَ ٱلْوِرْدُ ٱلْمَوْرُودُ } ويقدم - كينصر - بمعنى يتقدم مأخوذ من الفعل قدم - بفتح الدال - تقول قدم الرجل يقدم قدماً وقدوما بمعنى تقدم، ومنه قادمة الرحل بمعنى مقدمته. وقوله { فَأَوْرَدَهُمُ } من الإِيراد وهو جعل الشئ واردا إلى المكان - وداخلا فيه. والورد - بكسر الواو - يطلق على الماء الذى يرد إليه الإِنسان والحيوان للشرب. والمعنى يتقدم فرعون قومه يوم القيامة إلى جهنم، كما كان يتقدمهم فى الكفر فى الدنيا، فأوردهم النار، أى فدخلها وأدخلهم معه فيها.

السابقالتالي
2