الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ ٱلْعَذَابَ إِلَىٰ أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ لَّيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلاَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ } * { وَلَئِنْ أَذَقْنَا ٱلإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ } * { وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَآءَ بَعْدَ ضَرَّآءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ ٱلسَّيِّئَاتُ عَنِّيۤ إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ } * { إِلاَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ }

قال القرطبى ما ملخصه الأمة اسم مشترك يقال على ثمانية أوجه فالأمة تكون الجماعة، كقوله - تعالى -وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ ٱلنَّاسِ.. } والأمة أيضا أتباع الأنبياء عليهم السلام، والأمة الرجل الجامع للخير الذى يقتدى به، كقوله - تعالى -إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً } والأمة الدين والملة، كقوله - تعالى -إِنَّا وَجَدْنَآ آبَآءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ } والأمة الحين والزمان كقوله - تعالى -وَٱدَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ } والأمة القامة وهو طول الإِنسان وارتفاعه، يقال من ذلك فلان حسن الأمة، أى القامة، والأمة الرجل المنفرد بدينه وحده، لا يشركه فيه أحد. قال - صلى الله عليه وسلم - " يبعث زيد بن عمرو بن نفيل أمة وحده " والأمة الأم. يقال " هذه أمة زيد، أى أم زيد... " والمراد بالأمة هنا الحين والزمان والمدة. والمعنى ولئن أخرنا - بفضلنا وكرمنا - عن هؤلاء المشركين " العذاب " المقتضى لجحودهم لآياتنا، وتكذيبهم لرسلنا " إلى أمة معدودة " أى إلى وقت معين من الزمان على حساب إرادتنا وحكمتنا " ليقولن " على سبيل التهكم والاستهزاء، واستعجال العذاب، " ما يحبسه " أى ما الذى جعل هذا العذاب الذى حذرنا منه محمد - صلى لله عليه وسلم - محبوسا عنا، وغير نازل بنا.. ولا شك أن قولهم هذا، يدل على بلوغهم أقصى درجات الجهالة والطغيان، حيث قابلوا رحمة الله - تعالى - المتمثلة هنا فى تأخير العذاب عنهم، بالاستهزاء والاستعجال، ولذا رد الله - تعالى - عليهم بقوله { أَلاَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ } أى ألا إن ذلك العذاب الذى استعجلوه واستخفوا به، يوم ينزل بهم، لن يصرفه عنهم صارف، ولن يدفعه عنهم دافع، بل سيحيط بهم من كل جانب، بسبب استهزائهم به وإعراضهم عمن حذرهم منه. واللام فى قوله { وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ ٱلْعَذَابَ } موظئة للقسم، وجواب القسم قوله " ليقولن ما يحبسه ". والأقرب إلى سياق الآية أن يكون المراد بالعذاب هنا عذاب الاستئصال الدنيوى، إذ هو الذى استعجلوا نزوله، أما عذاب الآخرة فقد كانوا منكرين له أصلا، كما حكى عنهم - سبحانه - فى الآية السابقة فى قولهوَلَئِن قُلْتَ إِنَّكُمْ مَّبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ ٱلْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ } قال الآلوسى والظاهر بأن المراد العذاب الشامل للكفرة، ويؤيد ذلك ما أخرجه ابن المنذر وابن أبى حاتم عن قتادة قال لما نزلٱقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ } قال ناس إن الساعة قد اقتربت فتناهوا، فتناهى القوم قليلا، ثم عادوا إل أعمالهم السوء فأنزل الله - تعالى -

السابقالتالي
2 3