الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلَقَدْ جَآءَتْ رُسُلُنَآ إِبْرَاهِيمَ بِٱلْبُـشْرَىٰ قَالُواْ سَلاَماً قَالَ سَلاَمٌ فَمَا لَبِثَ أَن جَآءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ } * { فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُواْ لاَ تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَىٰ قَوْمِ لُوطٍ } * { وَٱمْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَآءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ } * { قَالَتْ يَٰوَيْلَتَىٰ ءَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَـٰذَا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هَـٰذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ } * { قَالُوۤاْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ رَحْمَتُ ٱللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ } * { فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ ٱلرَّوْعُ وَجَآءَتْهُ ٱلْبُشْرَىٰ يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ } * { إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ } * { يَٰإِبْرَٰهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَـٰذَآ إِنَّهُ قَدْ جَآءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ }

هذه قصة إبراهيم - عليه السلام - مع الملائكة الذين جاءوا لبشارته بابنه إسحاق، وبإخباره بإهلاك قوم لوط - عليه السلام -. وقد وردت هذه القصة فى سور أخرى منها سورة الحجر فى قوله - تعالى -وَنَبِّئْهُمْ عَن ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ. إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ فَقَالُواْ سَلاماً قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ... } ومنها سورة الذاريات فى قوله - تعالى -هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ ٱلْمُكْرَمِينَ. إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ فَقَالُواْ سَلاَماً قَالَ سَلاَمٌ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ... } والمراد بالرسل فى قوله - سبحانه - { وَلَقَدْ جَآءَتْ رُسُلُنَآ إِبْرَاهِيمَ بِٱلْبُـشْرَىٰ } جماعة من الملائكة الذين أرسلهم الله - تعالى - لتبشير إبراهيم بابنه إسحاق. وقد اختلفت الروايات فى عددهم فعن ابن عباس أنهم ثلاثة وهم جبريل وميكائيل وإسرافيل، وعن الضحاك أنهم كانوا تسعة، وعن السدى أنهم كانوا أحد عشر ملكاً.. والحق أنه لم يرد فى عددهم نقل صحيح يعتمد عليه، فلنفوض معرفة عددهم إلى الله - تعالى -. والبشرى اسم للتبشير والبشارة وهى الخبر السار، فهى أخص من الخبر، وسميت بذلك لأن آثارها تظهر على بشرة الوجه أى جلده. وجاءت هذه الجملة الكريمة بصيغة التأكيد للاهتمام بمضمونها، وللرد على مشركى قريش وغيرهم ممن كان ينكر هذه القصة وأمثالها. والباء فى قوله - سبحانه - { بِٱلْبُـشْرَىٰ } للمصاحبة والملابسة، أى جاءوه مصاحبين وملتبسين بالبشرى. وقوله { قَالُواْ سَلاَماً قَالَ سَلاَمٌ } حكاية لتحيتهم له ولرده عليهم. { وسلاما } منصوب بفعل محذوف. أى قالوا نسلم عليك سلاما. { وسلام } مرفوع على أنه خبر لمبتدأ محذوف. أى قال أمرى سلام. وقرأ حمزة والكسائى قال سلم وهو اسم للمسالمة. ثم بين - سبحانه - ما فعل إبراهيم مع هؤلاء الرسل من مظاهر الحفاوة والتكريم فقال { فَمَا لَبِثَ أَن جَآءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ }. و " ما " فى قوله { فَمَا لَبِثَ } نافية، والفاء للتعقيب، واللبث فى المكان معناه عدم الانتقال عنه. والعجل الصغير من البقر. والحنيذ السمين المشوى على الحجارة المحماة فى حفرة من الأرض. يقال حنذ الشاة يحنذها حنذاً أى شواها بهذه الطريقة. أى فما أبطأ وما تأخر إبراهيم - عليه السلام - عن إكرامهم، بل بمجرد أن انتهى من رد التحية عليهم، أسرع إلى أهله فجاءهم بعجل حنيذ... وهذا الفعل منه - عليه السلام - يدل على سعة جوده، وعظيم سخائه، فإن من آداب الضيافة، تعجيل القرى للضيف.. قال أبو حيان والأقرب فى إعراب { فَمَا لَبِثَ أَن جَآءَ... } أن تكون { ما } نافية، ولبث معناه تأخر وأبطأ و { أَن جَآءَ } فاعل لبث والتقدير فما تأخر مجيئه.. ويجوز أن يكون فاعل لبث ضمير إبراهيم، وأن جاء على إسقاط حرف الجر، أى فما تأخر فى أن جاء بعجل حنيذ.

السابقالتالي
2 3 4 5