الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يٰقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ مُفْتَرُونَ } * { يٰقَوْمِ لاۤ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى ٱلَّذِي فَطَرَنِيۤ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } * { وَيٰقَوْمِ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوۤاْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ ٱلسَّمَآءَ عَلَيْكُمْ مِّدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ } * { قَالُواْ يٰهُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِيۤ آلِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ } * { إِن نَّقُولُ إِلاَّ ٱعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوۤءٍ قَالَ إِنِّيۤ أُشْهِدُ ٱللَّهَ وَٱشْهَدُوۤاْ أَنِّي بَرِيۤءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ } * { مِن دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ } * { إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى ٱللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَآ إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } * { فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَّآ أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّونَهُ شَيْئاً إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ } * { وَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُوداً وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ } * { وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْاْ رُسُلَهُ وَٱتَّبَعُوۤاْ أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ } * { وَأُتْبِعُواْ فِي هَـٰذِهِ ٱلدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ أَلاۤ إِنَّ عَاداً كَفَرُواْ رَبَّهُمْ أَلاَ بُعْداً لِّعَادٍ قَوْمِ هُودٍ }

تلك هى قصة هود - عليه السلام - مع قومه كما حكتها هذه السورة، وقد وردت قصته معهم فى سور أخرى منها سورة الأعراف، والشعراء، والأحقاف. وينتهى نسب هود إلى نوح - عليهما السلام - فهو - كما قال بعض المؤرخين - هود بن عبد الله بن رباح بن الخلود بن عاد بن عوض بن إِرم بن سام بن نوح. وقومه هم قبيلة عاد - نسبة إلى أبيهم الذى كان يسمى بهذا الاسم -، وكانت مساكنهم بالأحقاف - جمع حقف وهو الرمل الكثير المائل -، وهذا المكان يسمى الآن بالربع الخالى جنوب الجزيرة العربية. وكان قوم هود - عليه السلام - يعبدون الأصنام، فأرسله الله إليهم لهدايتهم. ويقال إن هودا - عليه السلام - قد أرسله الله إلى عاد الأولى، أما عاد الثانية فهم قوم صالح، وبينهما زهاء مائة سنة. وقوله - سبحانه - { وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يٰقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ.. } معطوف على قصة نوح التى سبق الحديث عنها. أى وكما أرسلنا نوحا إلى قومه ليأمرهم بعبادة الله وحده، أرسلنا إلى قبيلة عاد أخاهم هوداً، فقال لهم ما قاله كل نبى لقومه { يٰقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ.. }. ووصفه - سبحانه - بأنه { أخاهم } لأنه من قبيلتهم فى النسب، أو لأنه أخوهم فى الإِنسانية وناداهم بقوله { يٰقَوْمِ } زيادة فى التلطف معهم، استجلابا لقلوبهم، وترضية لنفوسهم، وجملة { مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ } فى معنى العلة لما قبله. أى أنا آمركم بعبادة الله وحده، لأنه ليس هناك إله آخر يستحق العبادة سواه، فهو الذى خلقكم ورزقكم، وهو الذى يحييكم ويميتكم. ثم ختم - سبحانه - الآية بقوله { إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ مُفْتَرُونَ }. والافتراء الكذب المتعمد الذى لا شبهة لصاحبه فى النطق به. أى ما أنتم إلا معتمدون للكذب فى جعلكم الألوهية لغير الله - تعالى -. ثم بين لهم بعد ذلك أنه لا يريد منهم جزاء ولا شكورا فى مقابل دعوته إياهم إلى الحق فقال { يٰقَوْمِ لاۤ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى ٱلَّذِي فَطَرَنِيۤ... } وفطرنى أى خلقنى وأبدعنى على غير مثال سابق، يقال فطر الأمر. أى ابتدأه وأنشأه. وفطر الله الخلق أى خلقهم وأوجدهم. وأصل الفطر الشق، ثم استعمل فى الخلق والإِنشاء مجازا. والمعنى ويا قوم لا أريد منكم على ما أدعوكم إليه أجرا منكم، وإنما أجرى تكفل به الله الذى خلقنى بقدرته، فهو وحده الذى أطلب منه الأجر والعطاء. ومقصده من هذا القول، إزالته ما عسى أن يكون قد حاك فى نفوسهم، من أنه ما دعاهم إلى ما دعاهم إليه، إلا أنه رجل يبتغى منهم الأجر الذى يجعله موسرا فيهم.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7