الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ٱبْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ ٱلْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ ٱلْحَاكِمِينَ } * { قَالَ يٰنُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْئَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّيۤ أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ ٱلْجَاهِلِينَ } * { قَالَ رَبِّ إِنِّيۤ أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِيۤ أَكُن مِّنَ ٱلْخَاسِرِينَ } * { قِيلَ يٰنُوحُ ٱهْبِطْ بِسَلاَمٍ مِّنَّا وَبَركَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَىٰ أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { تِلْكَ مِنْ أَنْبَآءِ ٱلْغَيْبِ نُوحِيهَآ إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَآ أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَـٰذَا فَٱصْبِرْ إِنَّ ٱلْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ }

والمراد بالنداء فى قوله - سبحانه - { وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ... } الدعاء والضراعة إلى الله - تعالى -. والجملة الكريمة معطوفة على ما قبلها. أى وبعد أن تخلف ابن نوح عليه السلام عن الركوب معه فى السفينة، وقضى الأمر بهلاك الكافرين ونجاة المؤمنين.. تضرع نوح - عليه السلام - إلى ربه فقال فى استعطاف ورجاء يا رب! إن ابنى " كنعان " { مِنْ أَهْلِي } فهو قطعة منى، فأسألك أن ترحمه برحمتك { وَإِنَّ وَعْدَكَ ٱلْحَقُّ } أى وإن كل وعد تعده لعبادك هو الوعد الحق وأنت - يا ربى - قد وعدتنى بنجاة أهلى إلا من سبق عليه القول منهم، لكنى فى هذا الموقف العصيب أطمع فى عفوك عن ابنى وفى رحمتك له. وقوله { وَأَنتَ أَحْكَمُ ٱلْحَاكِمِينَ } أى وأنت يا إلهى - لا راد لما تحكم به، ولا معقب لحكمك، وحكمك هو الحق والعدل، وهو المنزه عن الخطأ والمحاباة، لأنه صادر عن كمال العلم والحكمة. واكتفى نوح - عليه السلام - بأن يقول { رَبِّ إِنَّ ٱبنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ ٱلْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ ٱلْحَاكِمِينَ } دون أن يصرح بمطلوبه وهو نجاة ابنه تأدباً مع الله - تعالى - وحياء منه - سبحانه - واعتقاداً منه بأنه - سبحانه - عليم بما يريده، وخبير بما يجول فى نفسه. وهذا لون من الأدب السامى، سلكه الأنبياء، عليهم الصلاة والسلام - فى مخاطبتهم لربهم - عز وجل - ومن أولى منهم بذلك؟!! ولعل نوحا - عليه السلام - عندما تضرع إلى ربه - سبحانه - بهذا الدعاء لم يكن يعلم أن طلب الرحمة أو النجاة لابنه الكافر ممنوع، فكان حاله فى ذلك كحال النبى - صلى الله عليه وسلم - عندما قال لعمه أبى طالب " لأستغفرن لك ما لم أنه عن ذلك " واستمر يستغفر له إلى أن نزل قوله - تعالى -مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوۤاْ أُوْلِي قُرْبَىٰ... } وقال الشيخ القاسمى وإنما قال نوح ذلك - أى رب إن ابنى من أهلى.. ألخ - لفهمه - من الأهل ذوى القرابة الصورية، والرحمة النسبية، وغفل - لفرط التأسف على ابنه - عن استثنائه - تعالى - بقولهإِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ ٱلْقَوْلُ } ولم يتحقق أن ابنه هو الذى سبق عليه القول، فاستعطف ربه بالاسترحام، وعرض بقوله { وَأَنتَ أَحْكَمُ ٱلْحَاكِمِينَ } إلى أن العالم العادل الحكيم لا يخلف وعده. وقوله - سبحانه - { قَالَ يٰنُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ.. } رد من الله - تعالى - على نوح فيما طلبه منه. أى قال الله - تعالى - مجيبا لنوح - عليه السلام - فيما سأله إياه يا نوح إن ابنك هذا { لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ } لأن مدار الأهلية مبنى على القرابة الدينية، وقد انقطعت بالكفر، فلا علاقة بين مسلم وكافر.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7