الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ حَتَّىٰ إِذَا جَآءَ أَمْرُنَا وَفَارَ ٱلتَّنُّورُ قُلْنَا ٱحْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ ٱثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ ٱلْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَآ آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ } * { وَقَالَ ٱرْكَبُواْ فِيهَا بِسْمِ ٱللَّهِ مَجْريٰهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَٱلْجِبَالِ وَنَادَىٰ نُوحٌ ٱبْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يٰبُنَيَّ ٱرْكَبَ مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ ٱلْكَافِرِينَ } * { قَالَ سَآوِيۤ إِلَىٰ جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ ٱلْمَآءِ قَالَ لاَ عَاصِمَ ٱلْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا ٱلْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ ٱلْمُغْرَقِينَ } * { وَقِيلَ يٰأَرْضُ ٱبْلَعِي مَآءَكِ وَيٰسَمَآءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ ٱلْمَآءُ وَقُضِيَ ٱلأَمْرُ وَٱسْتَوَتْ عَلَى ٱلْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ }

فقوله - سبحانه - { حَتَّىٰ إِذَا جَآءَ أَمْرُنَا وَفَارَ ٱلتَّنُّورُ قُلْنَا ٱحْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ ٱثْنَيْنِ... } بيان لمرحلة جديدة من مراحل قصة نوح - عليه السلام - مع قومه. و { حتى } هنا حرف غاية لقوله - تعالى - قبل ذلك { وَيَصْنَعُ ٱلْفُلْكَ...إلخ }. والمراد بالأمر فى قوله - سبحانه - { حَتَّىٰ إِذَا جَآءَ أَمْرُنَا... } حلول وقت نزول العذاب بهم، فهو مفرد الأمور، أى حتى إذا حل بهم وقت عذابنا.. قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين. ويصح أن يكون المراد به الأمر بالشئ على أنه مفرد الأوامر، فيكون المعنى حتى إذا جاء أمرنا لنوح بركوب السفينة، وللأرض بتفجير عيونها، وللسماء بإنزال أمطارها.. قلنا احمل فيها... وجملة، وفار التنور، معطوفة على { جَآءَ أَمْرُنَا } وكلمة { فار } من الفور والفوران، وهو شدة الغليان للماء وغيره. قال صاحب المنار ما ملخصه " والفور والفوران ضرب من الحركة والارتفاع والقوى، يقال فى الماء إذا غلا وارتفع... ويقال فى النار إذا هاجت قال - تعالى -إِذَآ أُلْقُواْ فِيهَا سَمِعُواْ لَهَا شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ } ومن المجاز فار الغضب، إذا اشتد... وللمفسرين فى المراد بلفظ { التنور } أقوال منها أن المراد به الشئ الذى يخبز فيه الخبز، وهو ما يسمى بالموقد أو الكانون... ومنها أن المراد به وجه الأرض... ومنها أن المراد به موضع اجتماع الماء فى السفينة... ومنها أن المراد به طلوع الفجر من قولهم تنور الفجر... ومنها أن المراد به أعالى الأرض والمواضع المرتفعة فيها.. وقيل إن الكلام على سبيل المجاز، والمراد بقوله - سبحانه - { وَفَارَ ٱلتَّنُّورُ } التمثيل بحضور العذاب، كقولهم، حمى الوطيس، إذا اشتد القتال. وأرجح هذه الأقوال أولها، لأن التنور فى اللغة يطلق على الشئ الذى يخبز فيه، وفورانه معناه نبع الماء منه بشدة مع الارتفاع والغليان، كما يفور الماء فى القدر عند الغليان، ولعل ذلك كان علامة لنوح - عليه السلام - على اقتراب وقت الطوفان. وقد رجح هذا القول المحققون من المفسرين، فقد قال الإِمام ابن جرير بعد أن ذكر جملة من الأقوال فى معنى التنور " وأولى الأقوال عندنا بتأويل قوله { التنور } قول من قال هو التنور الذى يخبز فيه، لأن هذا هو المعروف من كلام العرب، وكلام الله لا يوجه إلا إلى الأغلب الأشهر من معانيه عند العرب، إلا أن تقوم حجة على شئ منه بخلاف ذلك، فيسلم لها. وذلك لأنه جل ثناؤه إنما خاطبهم بما خاطبهم به لإِفهامهم معنى ما خاطبهم به. أى قلنا لنوح حين جاء عذابنا قومه... وفار التنور الذى جعلنا فورانه بالماء آية مجئ عذابنا.. احمل فيها - أى السفينة من كل زوجين اثنين.

السابقالتالي
2 3 4 5 6